ads header

أخبار الموقع

قصة قصيرة الساكن الجديد

بقلم أحمد الشيمي


 إنتقل (فاروق) مؤخراً للسكن في شقة للطلاب، حيث يسكنها ثلاثة طلاب أخرون غيره، (احمد) و(رأفت) و(إبراهيم)، وقُبَل بترحاب منهم، ومضى معه (رأفت) يريه غُرفته التي سيمكث بها، قائلاً في تنهد بعد إحجام:


- ها هي غرفتك يا (فاروق)، أرجو أن تنال إعجابك!


- حتماً ستعجبني، ولما لا!


فمال إليه (رأفت) هامساً:


- هل لك أن تكتم سراً يا أخي!


فأومأ برأسه إيجاباً، فتابع (رأفت) حديثه وهو يشير إلى غرفته:


- لم يرغب أحد في النوم في هذه الغُرفة، بسبب ما تناقلته ألسن الساكنين القدامى بإنها مسكونة من الجن! ونحن منذ قدومنا هنا لم يجرؤ أحداً منا على النوم بها، فإذا وددت أن ترافقني في غُرفتي هذه الليلة، فمرحى بك يا أخي.


فرنا إليه (فاروق) قليلاً، وقد لاحت على وجهه إبتسامة في طياتها تهكُم, قبل أن يعقب:


- يا أخي، هل تصدق هذه الخرافات والأوهام؟!


فأقبلا (احمد) و(إبراهيم) مهرولان إليهما بعد أن سمعا تعقيب (فاروق)، وبادر (احمد) الحديث والقلق يخرج مع كلماته:


- يا اخي، كلام (رأفت) صحيح، فإنصت له بعناية فإنه ناصحك، ألم يجول في ذهنك! لماذا هذه الشقة إيجارها رخيص يصل إلى حد البخس؟!


وأضاف (إبراهيم):


  - يا أخي، نحن لا نُنفٌرك لترك الشقة، مع العلم أن إتفاقنا مع صاحبها عندما قمنا بتأجيرها، أن لا يأتي بساكن جديد، وسوف نتحمل نحن الإيجار الزائد، ولكنه كان يصر في تعنت، إنه مادام هناك أربعة غُرف بالشقة، فلابد أن يكونوا مشغولين.


فنظٌر لهم (فاروق) وإتسعت إبتسامته وهو يُليح لهم  بيده مُطمئنهم:


  - حسناً، حسناً يا إخواني، لا تقلقوا! انا أقدّر نصائحكم وحرصكم علي، وسوف أضع ذلك بعين الإعتبار، ولكني سوف أنام في هذه الغُرفة، فلا داعي للقلق؟!


فأخذوا يتناوبون النظٌر لبعضهم البعض في قلق جلي، قبل أن يصدح (رأفت):


  - حسناً يا أخي، كما تحب، الساعة الأن الثامنة مساءاً، ويبدو عليك أثار الإرهاق، سوف نتركك لتأخذ قسطاً كافياً من النوم، بينما سنخرج نحن لنبتاع بعض لوازم المعيشة، هل تُريد أن نبتاع لك شيئاً محدداً؟.


  - لا يا أخي، شكراً لك، انا فعلاً مُرهق من السفر، وسوف أنام مباشرةً، وقد أطيل إلى الصباح الباكر، فلا تقلقوا!.


  - حسناً يا أخي، نوماً هنيئا!ً


وتركهم (فاروق) ودلف الغُرفة وهم مازالوا واقفون ينظٌرون إليه في ترقب وهو يدلف الغُرفة، والقلق ناضح على أعينهم، فأغلق الباب وهو يبادلهم النظٌرات في إبتسام، غير مقتنع في دخيلته بأي مما قالوا!


ومضوا إلى غُرفهم بينما كان (فاروق) يجول ببصره في الغُرفة وهو يتأملها, وأقبل على دولاب الملابس ليضع به ملابسه، ففتحه فوقعت إحدى درفاته بشكل مفاجئ، فلم يجفل وتدارك الموقف في إبتسام،  وإرتدى المنامة بعد أن وضع ملابسه في الدولاب.


وإستلقى على السرير وهو يحدق في سقف الغُرفة فأثار إنتباهه ظل شخص مُرعب على سقف الغُرفة، فإلتفت جواره فوجد هناك دميه جوار مصباح الإنارة الصغير الذي بجواره، هي سبب هذا الظل، فأغلق مصباح الإنارة مُبتسماً، وترك نفسه للنوم حتى غلبه.


وما هي دقائق معدودات حتى إنتبه من غفوته على صوت اصدقائه وهم يغلقوا باب الشقة، ففطن إلى إنهم قد خرجوا ليبتاعوا ما قالوا, وسرعان ما عاد إلى نومه،  فقد كان الإرهاق مُتغلب عليه.


وبعد مُضي بعض الوقت إستيقظ مُنفزعاً، فقد كان هناك بعض المياه المنثوره عليه! وكانت شرفة الغُرفة مفتوحة! فإنتفض واقفاً وأضاء نور الغُرفة وأخذ يتفحص الماء الذي عليه، وجثى على ركبتيه بقلبٍ جرُؤ على الخطر وهو يبحث أسفل السرير عن أحداً قد يكون متوارِ أسفله!


 فقد كان عقله رافض ومستنكر بشدة أن ما حدث هو نتيجة قوى غامضة! وإنها قد تكون دعابة سخيفة من أصدقائه!  ولكنه قد سمعهم يغادرون! فسرعان ما طرد هذه الفكرة من رأسه، عندما وجد قطة سوداء أكحل من الغراب مُستقرة أسفل السرير لم يُميز منها غير عيناها اللامعتين!


عندها شعر بكل شعر جسده يقشعر! زاد الأمر توتراً عندما قفزت القطة في وجهه مُباشرةً بدون سابق إنذار، وفرت من الشُرفة وهي تقفز إلى شُرفة مُلاصقة.


فوقف بعد أن تقلقلت أحشائه وإضطربت أمعائه، وذهب في ركابها ولكنها قد إختفت! فأغلق الشُرفة في شرود والحيرة قد إستحوذت على عقله، وجلس على السرير  يحاول إستيعاب ما حدث، فلم يمهله الوقت كثيراً!.


فإذا بأضواء الغُرفة أخذت في الإرتعاش ثم إنطفأت تماماً، فتحسس موضع جواله حتى وصل إليه وإلتقطه وأنار كشافه، وفتح باب الغُرفة فسقط عليه جلباب من أعلى بمجرد أن فتح الباب وأغشى رأسه بالكامل، فأزاحه في ذعر وتخبُط وأخذ يتلفت حوله في إرتباك، بعد أن أيقن في قرارة نفسه، أنه تهاون وقلل من شأن كلام أصدقائه الذين كانوا معه أصدق من قطاة، ولكن مضى وقت عض أصابع الندم!


فهرول إلى باب الشقة ليستدرك النجاة بالفرار، فشيئاً ما لم يراه قد عرقله فإنكب على وجهه! وسقط منه الجوال على مسافة منه، وضوء كشافه مُسلط إلى السقف، وفجأة!


أخذت أصوات متشاعبة من الزوم والصرخات والأنين الفاتر في ملئ الأرجاء، فلم يستطيع تمالك نفسه من الرعب وهو يزحف مُرتعداً إلى باب الشقة، ثمّ صرخ صرخة من صميم قلبه وهو ينظٌر ناحية الحمام كأنه رأى شيئاً أرعبه، ثمّ سقط صريعاً، جاحظ الأعيُن، مُتدلي اللسان!.


هنالك علا صوت (رأفت) وهو يُسحب "سكينة الكهرباء" من المطبخ ليُنير الشقة قائلاً لصديقاه:


  - يكفي هذا، فقد تمادينا بما يكفي!.


بينما خرج (إبراهيم) الذي كان متواري في غُرفة (فاروق)، فهو الذي نثر المياه عليه، وظهر (احمد) من خلف الأريكة، فهو من قام بعركلته.


فتغيرت سحنتهم من الإبتسام إلى الوجوم عندما رأوا (فاروق) على هذا الحال، مُنصرع ساكن الحركة!


فهرولوا إليه يحاولون إيفاقته ولكن بائت محاولاتهم بالفشل، فوضع (احمد) راحت يداه على رأسه، مولولا:ً


- يا ويلنا! يا ويلنا! مُصيبة إذا مات!


وأخذ في تعنيف (رأفت):


- كل هذا من جرٌَائك! انت الذي إبتدعت هذه الدعابة السخيفة لكل ساكن يأتى جديد، حتى تحول الأمر من إشاعة تعلُكها ألسن الناس، إلى مصيبة فوق رؤسنا!


فعقب مُبرراً، بوجه شاحب يعلوه الصدمة:


 - لقد ظننته جسور القلب، ثابت الجنان، ولكنه كان كالبغاث حين تستنسر!


وفجأة أخذت الأضواء في الإرتعاش ثم إنطفئت! فسرى الرعب إلى قلوبهم وإرتعدت فرائصهم، ولكن الأسوأ لم يأتي بعد!


فإذ بأضواء الحمّام أخذت في الأرتعاش مرّة أخرى وأخذت صورة شبح في التشكُل لم تتجلى ملامحه بعد!


كل ذلك وهم يرقبون ما يحدث في حالة من الصدمة بعد أن عُقدّت ألسنتهم وشُلّت حركتهم من الرعب، فتسمروا في أماكنهم ولم يتحركوا قيد أنملة، في الوقت الذي أخذ فيه الشبح في إكمال هيئته، وعندما إكتملت هيئته، إتسعت بيابي أعيُنهم من هول ما رأوه!


فقد كان الشبح هو شبح صديقهم (فاروق)، يقف  عند باب الحمّام وشرار الغضب يتطاير من عينه وهو  يحد إليهم النظٌر بعينيه الحمراوتان التى كانت أقرب إلى مِشعلان مُوقدان.

ليست هناك تعليقات