ads header

أخبار الموقع

قصة قصيرة بقلم الكاتب: أحمد سليمان أبكر


 قصة قصيرة:

***

دوائر الصداقة وخيوط الهيام

تهافت عليها الأثرياء لكن ثراءهم تضاءل عندها أمام سحره الغامض الذي استبد بروحها وكيانها، نعم لقد تحولت الصداقة في قلبها إلى حبٍّ، وللحب شأنٌ غير شأن الصداقة، وحالٌ غير حالها، وشعورٌ وإحساسٌ غير شعورها وإحساسها، فالفتاة الخالية تشعر بتغيرٍ في جميع حالاتها النفسية إذا أحست بدبيب الحب في قلبها، وربما كان هذا الشعور هو دليلها الوحيد على أنها قد أحبته.

رغم صيته الذي ملأ الآفاق كشاعر رومانسي النزعة، إلا أن أحدًا لا يعرف مقدار حيرته في دهاليز العشق والهيام، وقلة حيلته في اتخاذ موقف أو استنباط فكر تجاه ما يمكن أن يسمي بالصداقة بين رجل وامرأة. يعتريه الذهول أحيانًا عندما يرى الاهتمام الزائد الذي تحيطه به الفتيات حيثما حلّ، لابد أن هنالك شيئًا في جوهره يحمل بداخله عناصر الجذب الغامضة التي تحيّره ، شيءٌ غريب والأغرب منه أنه لم يدرك كنه هو الشاعر  الذي تُفترض عنده براعة الغوص في أعماق النفوس البشرية، ومن باب أولى أعماق نفسه التي بين جنبيه.متمسك بالقيم الدينية التي تحدد بالقطع ما هو حلال وما هو حرام وما هو مباح، وأنه ما دامت الطيور على أشكالها تقع، فإن حبه يلزمه الاقتصار على نوعية المرأة التي تتمسك بذات القيم. 

متيمة بحبه، لا تجد لحياتها لذة وطعم في غير وجوده، أصداء صوته  نثرًا وشعرًا وثرثرةً تملأ أذنيها حال وجوده أو غيابه ،أما هو فساكن صامت كالتمثال، تتمنى أن ينطق بكلمة، كأن يقول لها: إنه لا يحبها، فهي لن تغضب منه،وتلتمس له العذر، فما من قوة على وجه البسيطة بقادرة على أن تضع في قلبه عنوة ذلك الوهج الذي يعتمل في قلبها، لن تبكي على قدرها، أو صداقته التي تحسد عليها نفسها. 

رغم إحساسها في كثير من الأوقات أنه خارج الدار، لا تمل تكرار قرص الهاتف بأرقم هاتفه، تسمع الرنين ولا مجيب، تعرفه أن لا يجيب، تتلذذ بسماع  الرنين لإحساسها بأنه يصلها بمكان إقامته،وإذا عاد قبل أن ينقطع الرنين، صوته يداعب خيالها بصورته ويؤنس وحشتها بروحه الغائبة الحاضرة. إنه رقيق رائع،إنها تحبه وترجو أن يحبها.

جمعته بها ليلة شعرية، سعد بحوارها معه كصحفية حول إحدى قصائده التى ألقاها في تلك الليلة أبلغ سعادة، تكررت اللقاءات وتعددت المناسبات، حتى أصبحا يلتقيان لمجرد اللقاء، يتابع تطور تعلّقها به وهو لا يدري سببه، وهو نفسه لا ينكر تعلّقه بها لأسباب لا يعرفها، بل صدقها في الحديث عن أدق أسرار نفسها ومن موقفها من الحياة، نظراتها الودودة، جعلته كثرًا ما يتعّجل لقاءها كل ما واتته الفرصة، خيّل له أن صداقتهما تتطور إلى حب من جانبه،لكنه لم يتصوّر أبدًا حالة الألم التي ستناتبه أن هي لم تبادله ذات الشعور، فذاك سيكون فوق طاقته واحتماله. 

لقد أضحت حياته التي لا يستطيع أن يعيش بدونها، بل لا يستطيع فراقها لحظةً واحدة، إن زُرقَة عينيها أصفى من زرقة السماء، وإن نضارة وجهها أجمل من نضارة الربيع، وإن ماء الحُسن الذي يجول في أديمها لهو الكوثر الذي يصفه الكتاب المقدس فيما يصف من بدائع الجنان، يسمع صوتها الذي هو أشبه شيءٍ بصوت الطائر الغَرِد فيخفق قلبه خفقان أجنحة ذلك الطائر. لم يتكلمان وقد قامت لهما نظراتهما المتمازجة وابتساماتهما المتماوجة مقام الألسنة في نطقها وإفصاحها، ولم يكن حبهما حبٍّا متكلفًا فيحتاجا إلى استدامته واستبقائه، بل حبًا حقيقًا جعلهما يحلقان  كطائرين في آفاق السماء.

***


ليست هناك تعليقات