ads header

أخبار الموقع

الطائر الحبيس بقلم/ سمر سعيد


 الطائر الحبيس

بأجفان مثقلة فتحت عيناها لتجد نفسها داخل غرفة شبه مظلمة، بابها موصد، يتسرب لها بصيص نور من شباك يعلو الغرفة، رأسها يدق كالحفار المعدني معلنا تكسير الصخر، نظرت لحالها وهي ترتعد كعصفور مبتل باغتته سحابة مطرة، أغمضت عيناها وهي تفركهم ظنا أنها داخل كابوس، فتحتهم ببطء لتجد أنه واقع، لملمت ملابسها الممزقة وهي تلطم خديها، الدمع يسيل من مقلتيها كشلال هادر، تكورت بداخل نفسها كالجنين وهي تسأل نفسها: أين أنا؟ ماذا حدث معي؟

باغتتها ذكرى مشوشة عن ليلتها السابقة، أخر شيء تذكره وجه هذا الرجل الجالس جوارها بالميكروباص، كانت تبكي بعدما رفض رب عملها منحها سلفة من المال لشراء دواء والدتها المريضة، ربت حينها على كتفها مهونا عليها ما حدث وأخبرها أنه سوف يقرضها المال، و أيضا سوف يعالج والدتها فهو طبيب ماهر. منحها منديل لتكفكف دموعها لحظات وشعرت أن الأرض تدور من أسفل قدمها طلب منها أن تتكأ على مرفقه فهي متعبة من شدة البكاء، وضغطها منخفض، استندت عليه وكأنه ملاك أهدته لها السماء بعد وفاة والدها، وصلا معا لمنزله بحي راقي يخلو من البشر بعكس حيها الذي يضج بالأشخاص قدم لها كوب من العصير ثم صعد لجلب حقيبته الطبية.

شعرت بثقل بداخل رأسها، والأرض تميد من تحت قدميها ثم سقطت مغشيا عليها.

كان يراقبها بعيون كالصقر حملها ودلف لغرفة بالطابق السفلى لمنزله تستخدم في التخزين.

 أسكنها سرير يتوسط هذه الغرفة ثم داعب أنفها بزجاجة عطره النفاذ بدأت تستعيد وعيها لتجده يسرح بيده الغاشمة على جسدها البض، يمزق ملابسها ليقطف زهور نهديها، يخط على جسدها بأصابعه، صرخت بصوت مبحوح من شدة البكاء كمم صراخها بشفته الغليظة، مقاومتها وصراخها كانا يثيرا شهوته أكثر، لثم دموعها بنشوة المنتصر، كلما قاومته كلما زادت فحولته، ودنس مقدسات جسدها البريء، استباح براءتها وضعفها ليفض بكارتها، معلنا وشمها بهذا الوشم اللعين، حتى تحيا بذنب لم تقترفه أبداً، جلس جوارها يشعل سيجارته كما أشعل فتيل روحها لينفس دخانه على وجهها وجسدها، كانت تنتحب قهرا لما آلت إليه؛ كيف ستعود لمنزلها بعد ما حدث؟ كيف ستواجه والدتها؟ كيف ستواجه سكان الحي الشعبي الذي تقطن به؟ أنهى سيجارته ليدفنها براحة يدها أطلقت صرخة مدوية قابلها بضحكة مقهقهه وهو يخبرها أنها للذكرى ثم تركها وغادر الغرفة.

عندما تذكرت ما حدث شهقت وهي تخبط بيديها على صدرها حتى سقطت منهارة أرضاً. 

افترشت الأرض وهي تسند ظهرها للحائط، وجدت بجوارها حجر أحمر من الطوب كحتت جسدها به لتذيل رائحته وتدنيسه لحرمة جسدها، دماءها المتساقطة لم ترح قلبها بل زادت من حرقتها.

 صرير الباب، صوت وقع أقدامه، جعل الخوف يدب بقلبها، انزوت بأحد أركان الغرفة خلف أريكة قديمة، حبست أنفاسها حتى لا يعثر عليها، عطره الباذخ كان يملأ المكان، يتغلغل بداخل أنفها ومسامها مما يثير القشعريرة بجسدها تمنت أن تتوقف أنفاسها.

بدأ يتجول بالغرفة للبحث عنها وهو يصدر صفير، حاولت الهرب ألا أنه قبض على معصمها بحركة مباغته عندما شارفت على الوصول لباب الغرفة ليسألها:

_ إلى أين تذهبين لم اكتفي منك بعد؟

صرخت بأعلى نوتات صوتها ليخبرها أنه لا يوجد أحد يستطيع إنقاذها من بين مخالبه؛ سحلها أرضاً لتروي الأرضية الباردة بدمائها.

_ اصرخي، قتالك وعنادك يثيرني، أعشق الصعاب.

حملت حجر الطوب لتضربه به ألا أنه تفاداه لينقض عليها يفترسها كضبع ينهش جسد فريسته بلا رحمة. 

توسلاتها لم تجدي نفع بل زادت من رغبته في افتراسها، جلدات سوطه كانت تمزق أديمها مصدرة نغمة يتلذذ بها، ينتشي لها دقات قلبه.

فقدت مقاومتها، طاقتها، انطفئت عيناها شاهدت شريط حياتها يمر أمامها كم تمنت أن تتزوج لشخص يحبها ويهتم لأمرها، تمنت أنجاب أطفال يسعدون قلبها، ألا أن أحلامها كلها هدمت كل ما رأته حياة سوداء، شماتة جيرانها، قلب والدتها المكلوم لما آلت إليه أبنتها، أسهم نظراتهم الحارقة، قابل نظراتها المنكسرة بنظرات انتصار، قررت أنهاء مأساتها فهي لن تقوى على مواجهة المجتمع بعد ما حدث، حملت قطعة زجاج مشطوفه ملقاه بجانبها لتبقر بطنه تحت أنظاره المندهشة كيف تحولت القطة الضعيفة لنمرة مقاتلة، ثم قطعت شريانها النابض لتنهي ما بدأه هو حتى لا يصطاد طائر أخر غيرها، فما حدث لن تقبل أن تقع به فتاة أخرى.       تمت بحمد الله      

ليست هناك تعليقات