طفولة ضائعة

عازف الكلمات
By -
0

                              بقلم مروه نصر


 أصبحت حياتي مثل أرض قاحلة جفت ينابيعها، و تشققت من كثرة الجفاف، مهما ذرفت من دموع لن تستطيع إحيائها مرة أخرى، كلما نظرت في المرآة رأيت امرأة في جسد طفلة لا تتجاوز السادسة عشر، شاحبة الوجه نظراتها زائغه تعلو جبهتها خطوط عميقة تعلن عن شقائها، لو أمعنت النظر أكثر ستري روحاً منكسرة، و قلباً مكلوماً ذاق مراراً بطعم العلقم، و أصبح السواد هو اللون المسيطر عليها، كأنها تعيش في حداد علي روحها الضائعة. 

فاقت أمل من شرودها علي دقات عكاز تقترب منها، و كلما علا صوت الدقات زادت دقات قلبها هلعاً، و ظهر أمامها شيخاً عجوز يبدو على ملامحه الغضب والقسوة، تقدم إليها و جذبها من ذراعها بشدة، و صرخ بها :

ستظلين هكذا يا وجه البومة ترتدين السواد، كأنكِ في عزاء دائم، أنا لم أتزوجك لأعيش في نكد و غم، فأنا أريد زوجة مرحة أسترجع معها شبابي وصحتي .

و عندما لم أستجب له دفعني بعنف، لأسقط علي وجهي، وضربني بعصاه على ظهري بقوة، كأنه ينتقم مني لأني أقاومه بين الحين و الأخر، و أخذ  يسبني بأبشع الألفاظ، و تركني لأستعد له بأبهى طلة، و إلا سيكون العقاب شديداً .
تحاملت على نفسي، ووقفت بصعوبة و مشيت أجر أذيال خيبتي، و ضعف حيلتي، تطلعت لنفسي لأتذكر كيف كنت أمرح و ألهو وسط صديقاتي كزهرة ندية تتفتح كلما صدحت ضحكاتي، حتي أتى من سلب ضحكتي، و قطف زهرتي وأزهق روحها قبل أوانها، بمساعدة أبي الذي فرح بالمال و نسيني، نسي طفولتي، فلم أكن مهيأة لأعيش دور الزوجة لرجل يكبرني بخمسين عاماً .
ظلمني أبي، و ظلمتني الحياه، لأعيش فيها جسداً بلا روح، جسد يستبيحه رجلاً يملكني بورقه لا يعترف بها القانون، و لكن يعترف بها من باعني ومن أشتري، فما أنا إلا سلعة في وسط سوق يستبح سرقة الطفولة و وئدها.
أكملت زينتي، و تسطحت على فراشي ينغزني بشوكه، في انتظار قابض الارواح، فهو والموت واحد، لعل في مرة يقبضها لأستريح من عذابي.
أغمضت عيني عندما سمعت دقات عكازه تدب في الأرض بقوة، معلنة عن وصول قاتلي الشرعي. 
#تمت. 

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)