ads header

أخبار الموقع

أحلام الكهنة. رواية/ عبدالصبورالسايح


 


الفصل الثاني

---------------- 

في صمت لا تزعجه إلا خطوات المشيعين وتمتماتهم الحزينة  زحف حاملو جثة  سنو كأفعى مرهقة  الى أغوار المعبد،فى غرفة حجرية بلا نوافذ تتوسطها مائدة صخرية كبيرة  وضع المشيعون الجثة ثم انصرفوا يغالبون دموعا غزيرة تقاطرت على وجوههم المكروبة فبللت لحاهم  الغزيرة ،بعفوية راحوا يمسحونها فى شرود من يستهين بحياة  الانسان القصيرة على الأرض؛ متعجبين من تشبثه غير المبرر بها.

وقتها كانت زوجة سنو تلملم آلام فقدها لزوجها ،تقف على باب المعبد مفتوحة العينين ،تراقب حركة من شيعوا سنو وهم ينصرفون فى أسف  وتراقب الكاهن الأعظم الذى لم يزل جالسا على التراب في مدخل المعبد  ممسكا بعصا معقوفة يرسم بطرفها  دوائر ناقصة وخطوطا متقاطعة لم تفهم معناها و على بعد خطوات منه تحلق بعض أتباعه يتهامسون بكلمات لم تسمع منها غير كلمة راع  ، كان الوقت يمر بطيئا ثقيلا وهى لم تزل فى مكانها تنقل نظراتها بين داخل المعبد وخارجه غير مصدقة أنها ودعت سنو للمرة الأخيرة.

نعم هى تعتقد أن آمون سيرعاه ببركة الكهنة وأن حياته  ستبعث من جديد بعد تحنيط جثته التى طالما إحتمت بظلال شجرتها الطيبة . وكثيرا ما أحتضنتها باشتياق أنثى بعد عودته عابسا أو منتشيا من صيده  المرهق ولكنها تدرك أن هذه الحياة برمتها ستكون فى عالم آخر بعيدا عنها ،بعد أن قامت فجأة بينهما أسوار عزلة عالية ،لن تراه ثانية ،ولن تنتظر عودته ،لن تسعد بإعداد طعامه وفراشه كعادتها ،لن توقظه بابتسامة ليلتمس البركة من آمون قبل أن يغمر الكون ببهاء نوره  ،أشياء لا حصر لها قبضت على روحها فغرقت فى حزن لا ضفاف له ولا قرار جعل أقدامها عاجزة على حملها إلى مخدعها هناك لتنفرد بأحزانها المفترسة فى معركة ضارية لا شك أنها ستنشب بينهما لتصنع لها واقعا جديدا وحياة مختلفة بعد رحيل سنو المفاجىء.

ثمة قوة تحتاج الآن إليها أكثر من أى وقت مضى لترعى بها صغيرها منتو بعد أن فقدوا عائلهم الوحيد فجأة دون أن يشبعوا من نهر رعايته لهم.

بصعوبة استطاعت الوقوف  على قدمين مرهقتين ثم بفتور لوحت مودعة لسنو ، بطريقة لم يلحظها الكهنة المشغولون عنها  بدأت تخطو وهى تقاوم دوامات عاصفة تدور بها .

- أربعون يوما كاملة ستكون جثة سنو محل عناية المختصين بالتحنيط فى المعبد قبل أن توارى فى حفرة مستطيلة مغطاة بصخور ورمال .

 أربعون ليلة عليها أن تحرق البخور الطيب كل ليلة فى غرفة سنو حتى تنعم روحه الطيبة بالطمأنينة قبل يوم الميزان الذى سيحدد مصيره القادم في الحياة الأبدية .

أربعون ليلة عليها ان تعمد طريق سير الجثة من مكان انفصالها عن الروح وحتى غرفة التحنيط بماء النيل وقت البكور لتهدأ روح سنو فى مستودعها الأخير آمنة سعيدة متفائلة بعهد جديد بلا كد ولا قهر ولا خوف ولا حزن و لا جوع.

لا ضرر سيحدث لسنو  إن هى أوفت بوعدها له شأن كل زوجة صالحة .

من الآن عليها أن تدير حياتها بدون سنو فلا ربان لأسرتها المسكينة فى واقعها الهادر سواها.

لروحك الطيبة المحبة والشكرفنم فى قبوك الطاهر الأمين فى سلام يا سنو.

قبل أن تنحدرالشمس لغروبها بوقت قصير تهيأ الكهنة للصلاة ،انتصبوا فى نصف دائرة متجهين للشمس يتوسطهم الكاهن الأعظم نخاو رافعا يديه السمينتين حد رأسه ،فى يمينه عصاه المعقوفة المزينة بنقوش دقيقة بمفتاح الحياة واضحا جميلا ،فى يسراه  بردية ملفوفة تعج بأسرار لم يرها سواه  وصلت إليه قبل ساعات من جهة رسمية.

 الشمس تتوارى  شيئا فشيئا خلف جبل أسود شاخص فى فراغ بعيد ، عيون الكهنة  تراقب قرصا مضيئا يتوارى ببطء فى عناية وخشوع حتى إذا اختفى  كلية خلف حجب مجهولة تنفس الكهنة الصعداء وانفرجت أساريرهم ومال بعضهم على بعض فى أحاديث خافتة تثير القلق ، ينصرفون إلى داخل المعبد فتختفى أجسادهم ذات الأكتاف العارية فى غرفه المعدة فيه لإقامتهم.

وحده نخاو يمشى الهوينى متجها  إلى حديقة المعبد ، يجلس منفردا تحت شجرة سنط عجوز  يفترش ظلها مساحة كبيرة في القيلولة وتأوى إلى رحابها فى المساء طيور وحشرات عديدة غالبا ما تحدث فى الليل أصواتا غريبة مزعجة اعتاد عليها الكهنة منذ سنوات.

كلمات زوجة سنو الصادقة حد الألم عن محاولة إستمالة راع لسنو ليكون عينا على رجال المعبد لم تغادر سمعه ،هو يدرك ما في الأمر من نزعة خفية فى نفس الحاكم لاحتواء رجاله  المخلصين  لينتزع سلطتهم منهم ،وحده راع  يعتقد اعتقادا راسخا أن سيطرته على المعبد ستثبت أركان عرشه فى نفوس شعبه  لزمن بعيد ولثقته فى مخالفة الكهنة لما يحاول أن يفعله فى إدارة البلاد بطرق لا تمكن لعزة النيل بقدر ما هى إنتزاع  لولاء  شعبى يحاول الحصول عليه.

نخاو يعرف ان أول من سيحل عليه غضب راع سيكون هو ، لن يفلت من ذلك مهما حاول فلطالما خالفه الرأى  وأستهان به أمام راو الذي يباشر مهام عمله بطاعة عمياء ، لابد الآن من حلول معنقولة لإبعاد تفكير راع ولو لوقت قصير عما يدور سرا فى أروقة المعبد وما يحاك نحوه من مؤامرات خبيثة لن يتأخر جني ثمارها .

ليست هناك تعليقات