ads header

أخبار الموقع

أحلام الكهنة. رواية/عبدالصبورالسايح


  

#الفصل الأول. 


لا أحد يعرف التفاصيل الأولى من حياة سنو.

قالوا أن إمرأة لا يعرفها أحد تخلت عن أمومتها  ذات ليلة فألقت به عند مدخل المعبد ثم مضت بلا أسف فتولت كاهنة عجوز تربيته حتى صار شجرة قوية لا تهزها ريح.

وقال أخرون :

- انه صيد حرب اشتبك فيها جيشنا المقدس مع طامعين غرباء لهم وجوه مسخوطةجاءوا على عربات حديدية تجرها  خيول قوية  من مشرق الشمس .

وأكد عجوز لا يكاد يفارق المعبد إلا بعد صلوات  الغروب أن سنو جاء من الجنوب البعيد متشبثا بجذع نخلة جرفه الفيضان حتى وصل إلى هذا المعبد الكبير.

 حتى كبار  الكهنة المقيمين في المعبد منذ سنوات تتجاوز عمر سنو وتزيد قالوا:

- أن سنو حط  بينهم  كطائر غريب ثم راق له المكان المزدحم بكهنته وطقوسه وتعاويذه وقرابينه  وزواره الكثيرين.

بمرور السنوات تشكل وعى سنو فى المعبد الذى  يضم العشرات من أشخاص كثيرين لهم أزياء مختلفة  تحدد مستوياتهم الوظيفية فى المعبد الكبير الذي لا تهدأ فيه الحركة إلا عند  هجعة السكون؛ تلك التي يلف فيها الكون صمت غريب.

كعادته في الهزيع الأخير من الليل ينسل سنو من كوخه الصغير كطائر مائى متجها الى النيل ، يغتسل فى نشاط وسرور ، يستقبل شمسا تبعث  الحياة فى جنبات الوجود.

لساعة أو أكثر يقف  متجها للشرق متأملا فى قرص ساطع  يواصل خلاصه من عباءة الليل ببطء شديد.

 يرفع سنو يديه القويتين إلى سماء حانية مرددا فى خشوع من يعترف بخطاياه ملتمسا  المنن :

- لك المجد الهنا العظيم ، إذ جعلت النيل يتدفق بسخاء فى بلادنا ، ليهبها الحياة ، يمر فى أرضنا من أقصاها إلى أقصاها فتتبعه الحقول بالثمار والحبوب والفواكه وترتوى من كفه الناس والطيور والدواب وتترقرق أمواجه فتسحر القلوب والعقول ويتبخر بعض مائه  فيسقط مطرا فى بلاد لم يصل إليها ، كل هذا الخير منك لا شريك لك فى المشرق والمغرب.

حين ينتهى سنو من صلاته يمارس هوايته فى صيد الأسماك بحراب رفيعة طويلة لها سن مدبب تمرس فى الصيد بها منذ صغره.

سنو ينتظر رزقه طويلا  على صفحة  النهر حتى اذا ظهرت سمكة سمينة بادرها بسهم متحفز فى يمينه فيصيبها بمهارة شهد بها الكثيرون ممن شاهدوه  يمارس عمله فى سعادة وصبر.

بعد محاولات عديدة يحظى سنو بالوفير من الرزق ، يحمله إلى السوق شاكرا منتشيا ليقايضه مع من يرضى بما يحتاج إليه.

 سنو يعرف أن للمعبد بعضا من  رزقه فلا يتوانى فى إيصاله إلى كهنته الذين يمازحونه قليلا قبل أن  يأخذوا ما يهبهم من سمك طازج.

ذات شتاء مرض سنو ولم يستطع أن يقوم بأداء عمله  الذى يقتات هو وأهله من رزقه  فأنقطع عن المعبد عدة أيام إفتقده فيها الكهنة فأرسلوا من يأتيهم به .

عندما طرقوا بابه وجدوا طفله يبكي بحرقة  فرجعوا إلى الكهنة ليخبرونهم بمرض سنو وافتقار أسرته للطعام.

لحظتها كان كبير الكهنة على مائدة يبهر العين مافيها من طعام وفواكه و نبيذ.

حدق الكهنة فى وجوه بعضهم البعض قبل أن يتسأل نخاو متعجبا:

- أفى بلادنا التى تطعم الدنيا من يهلك جوعا؟.

همهم أحد الجلوس وهو يخبئ وجهه بين كفيه في ضجر:

- كأنك خارج حياتنا المرهقة ياسيدى !

إلا أن الصوت الضعيف لم يصل إلي مسامع كبير الكهنة فواصل سخريته من آلام  الجوعى وهو يقطم تفاحة طازجة بطريقة منفرة دون أن ينطق بقية الكهنة بحرف .

فى أحد الأيام وصل سنو إلى المعبد جثة ملفوفة بقطعة كتان كبيرة وهبها للاسرة جار طيب ،كانت جثة سنو محمولة على أكتاف بعض أقاربه ذوى الاثمال البالية فلم يهتم نخاو وكهنته بهم وسرعان ما  أمرهم بالتوجه إلى جبانة الجبل المطل على المعبد  ليوارونه التراب فى هدوء عسى أن يبعثه آمون ذات ضحى  فى حياة أفضل.

فى تلك اللحظة اشتعلت حور غضبا :

- ولماذا لا يدفن سنو فى مقابرالأهرامات؟

 ألم يعش وفيا لآمون طوال عمره ؟

ساد صمت فى المكان بينما بدت عيون الكهنة تدور فى محاجرها مذهولة من مطلب غريب  لم يكن فى حساباتهم لأن مقابر الأهرامات لا يدفن فيها إلا من كان ذو نسل ملكي.

لاحظت السيدة اندهاش الكهنة فبادرتهم:

هل تعرفون أن سنو الطيب لم يقبل أن يكون عينا عليكم لحساب راع سيد الإقليم .

لم ينطق أحد فواصلت حديثها بإنفعال:

- نعم لقد حدث هذا قبل سنوات فرفضه سنو بقوة .

كان من الممكن لنا نحن اسرة سنو أن نكون الآن فى وضع عظيم إن قبلنا طلب راع لكن سنو لم يتخل عن آمون لحظة ولم يقصر يوما  فى خدمة معبده  أو  الحصول على رضاكم بأى شكل.

ألا يستحق سنو حياة أفضل بعد كل هذا الوفاء العظيم ؟

أسند كبير الكهنة رأسه على راحة يده بعد أن جلس على الأرض وأشار للكهنة بالجلوس فجلسوا متحلقين حوله بوجوه تصبغها دهشة كبيرة.

بعد لحظات من صمت ثقيل أشار نخاو لحملة الجثة بدخول المعبد فدخلوا وسط  همهات  من دخل معهم من كهنة الموتى.

لحظتها تهلل وجه حور فرحا بقبول الكاهن الاكبر لجثة سنو لتعامل بإحترام فانحنت تقبل رأسه ممتنة  بينما كان الكاهن يفكر فى أمر أخر لم يدر فى خلد السيدة ولا فى خلد من اجتمعوا لتشيع سنو الطيب لمثواه الأخير.

ليست هناك تعليقات