ads header

أخبار الموقع

حبك برص


 

بقلم مروة نصر


جلس علاء علي مقعد داخل الحديقة يطالع الزهور،  يختلس النظرات للمحبين فيبتسم خجلا و يتخيل نفسه بجوار محبوبته، لتهاجمه الذكريات، تنزغ الدموع عينيه فتحرق مقلتيها، و تنهمر دموعه انهاراً و تنعدم رؤيته و لا يرى غير مشهد واحد ظل يتكرر دائمًا ....وفجأة وجد ظل عملاق يقترب منه و هرب سريعاً حتى لا يدهس تحته .

ظل علاء يهيم في الشوارع لا يعرف إلى أين يذهب، يسير بجوار الحائط خائف من المجهول، فهو رغم مرور شهرين على هذا الحادث الأليم، إلا أنه لا يزال يجد غضاضة في التأقلم مع هذا التغير، فطعامه و شرابه اصبح مقزز و لكنه مضطر لهذا حتى لا يسقط من الجوع.


وجد نفسه أمام منزل حبيبته كيف؛ لا يعرف، كل الذي يعرفه أن إحساسه ساقه إليها، فتسلق الحائط 

بسهوله ويسر حتي وصل الي نافذة غرفتها، فوجد حبيبته تتحدث في الهاتف و تبث حبها و عشقها لشخص آخر، شعر بقلبه يكاد يتوقف عن النبض، كيف استطاعت خيانته ؟ الم تتعهد له بالحب والوفاء إلى اخر العمر !! فلم يتمالك نفسه  و دخل الغرفة غاضبا، و عندما رأته أطلقت صرخة فزع، وأخذت تبحث عن شيء تضربه به لتقضي عليه وسط زهول علاء وهروبه من إصابتها  له، و صاحت به غاضبة :

هتهرب مني فين يا معفن هجيبك هجيبك، اقف بقا عشان شبشبي يطرقع علي وشك طاااااااخ.

اصابت  راس علاء فشعر بدوخة مؤقتة، حاولت إصابته مرة أخرى، و لكن علاء كان سريع و خرج من النافذة و هو يلعن اليوم الذي احبها فيه ، وأكمل  تسلق الجدران حتي وصل الي سطح المنزل، فجلس يلتقط أنفاسه بصعوبة، فهو لا يصدق انه نجا من الموت بأعجوبة علي يد حبيبته الخائنة، نظر امامه فوجد بقايا مرآة مكسورة فطالع صورته بها و تذكر ما أصبح عليه و عذر حبيبته في الهروب منه و محاولة قتله، فأخذ يضحك ويبكي في آن واحد، و جلس يتذكر ما حدث له و غير مصير حياته. 


كان علاء عبد الواحد من انبغ الطلاب في كلية العلوم، و كان يسعى دائما لإجراء تجارب في معمل صغير أقامه في منزله، فكان يريد دخول التاريخ من أوسع أبوابه، فهو من يطلق عليه أساتذته لقب العبقري، يحب ابنة عمه و يسعى دائماً  لنيل رضاها، و لكن زوجة عمه كانت لا تتقبله و تصفه دوماً بالخائب( قليل الحيلة) و تشبه (بالبرص)   لانها تريد زواج إبنتها منى من إبن  خالتها الثري، و لكن مني كانت تهون عليه الأمر وتؤكد له انها ستكون الحبيبة و الزوجة إلى آخر العمر، فيستعيد نشاطه و يعمل على اكتشافه بكل جهد،  فكان لا يغادر معمله إلا ليأكل لقيمات قليلة تسد جوعه، فهو يعيش بمفرده بعد وفاة أمه وأبيه  في حادث اليم، ولا يوجد من يعتني به، أخيراً انتهى علاء من صنع ألته العجيبة، فهي تقوم بتفكيك أجزاء الجسم و تجميعها في صورة أخرى، أجرى بعض التجارب علي الفاكهة، فمثلا يدخل التفاح يخرج كمثري، يدخل جزر يخرج خيار، فحاول مع الحيوانات، فأصبح يملك  كلب( مقطقط) و قطة( كلبوبة)، والأن يجب أن يجري التجارب على إنسان، حتى يدخل التاريخ و يملك الكثير من الأموال، ليرضي زوجة عمه الغليظة، فلم يجد أمامه سوى أن يخضع للتجربة بنفسه و يتحمل كل العواقب، فقام بالاتصال بحبيبته ليستمد منها القوة و تكون حافز له. 

علاء : الو ازيك ياقلبي، اخبارك ايه. 

مني : بخير ياحبي، أنت مخفي فين اليومين دول مش عارفه أوصلك. 

علاء : مخفي يا مني !!  الملافظ  سعد ياحبيبتي. 

ليسمع صوت زوجة عمه و هي تطلق الضحكات و تقول بصوت عال:

هو ده البرص خايب الرجا، يووه قصدي عيلااااء  ههههههههههههه 

علاء : هي امك مش هتجبها لبر و تبطل كلامها السم ده. 

مني : متزعلش يا علاء منتا عارف اللي فيها. 

علاء : عارف عارف، بس تعبت من كلامها دي مبتسترش لسانها فضيحة. 

ليسمعها مرة أخرى تستهزء به  :

يلا يابت سيبي عيلااااء و تعالي أعملي لأبن خالتك حاجه يشربها، خليه يدوق عمايل أيديكي. 

فيغضب علاء و يغلق الهاتف في وجه حبيبته، و يطلق كل اللعنات علي زوجة عمه  البغيضة ، و يتوعدها عندما ينجح إختراعه و يصبح من المشاهير وأصحاب المال، فدخل شارداً إلى الآلة فلم يقوم بفحصها و تعقيمها كالعادة قبل كل تجربة، ولم يلاحظ دخول كائن غريب معه في الآلة، و بدأت التجربة ليخرج علاء من الآلة بعد فترة …. (برص)، فقد كان معه داخل الآلة برص و تفككت اجزائهم لتندمج معاً فيتحول علاء لبرص، و عندما رأى صورته أصابه الفزع و صار يجري هنا و هناك و يقول بجنون :

يا خيبتك يا علاء، برص؛ بقيت برص يا فرحة قلبك يا مرات عمي يابومة ، يالهووووي عليه أعمل إيه. 

وظل يبعثر كل شيء في طريقه بجنون،  حتي أوقع الشعلة لتمسك النيران في أدواته  المعملية 

فأصابه الفزع و فر هاربا من فتحة النافذة،  ليحدث بعد ذلك انفجار في المعمل يقضي على المنزل بالكامل، ومنذ ذلك اليوم وهو بالنسبة للجميع في تعداد الأموات.


نفض عنه همومه، وأزال دموعه و أستعد  ليعيش حياته كالبرص، و يندمج في بيئته الجديدة فهي المتبقية له، فلم يعد له شيء ليعود إليه، (لا حبيب ولا قريب ولا غريب) .

عاود علاء رحلة العودة لشجرة بعيدة في حديقته المفضلة، ليتسلق فروعها و يجلس في مكانه المفضل و يخرج لسانه لصيد طعامه و يمضغه متلذذًا، و ظل هكذا حتى أتى اليوم الذي دق فيه قلبه مرة أخرى و هو الذي ظن انه مات و انقضي، و لكن كل شيء تغير عندما وقعت عيناه عليها، رشيقة تتسلق الشجرة بمهارة، عينيها ساحرة و تصطاد غذائها بكل دقة، و مع اقترابها تزداد دقات قلبه حتى كادت تصم اذنيه، أقتربت منه على إستحياء وقالت بصوتاً ساحر :

أسفة مكنتش أعرف إن دا مكانك، لو ضايقتك ممكن أمشي. 

فأسرع بالقول :

تمشي إيه، المكان مكانك وأنا ضيف عندك، دا الشجرة نورت لما خطيتي فيها، انا عيلاااء، يوووه قصدي علاء، ممكن أتعرف بيكي. 

….أنا هدى .

علاء بهيام : أسمك حلو أوي ياهدي، ممكن نبقى أحباب احممم قصدي أصحاب. 

هدى بخجل : طبعا احباب، اوه… قصدي أصحاب. 

فابتسم علاء؛ وأقترب  منها و جلس بجوارها يشاهدون الأحبة و هم يجلسون في الحديقة، ويتبادلون كلمات الغزل والقبلات المسروقة، حتى تتورد هدي من الخجل و تنسحب سريعا علي وعد باللقاء. 

و منذ ذلك اليوم و هدي و علاء يعيشون أجمل  قصة حب، فكانت هدي البلسم الذي يرطب قسوة الأيام،  فيكفيه لمسة الحنان و حلاوة اللسان الذي يحلي مرارة الماضي و يمحيه،  ويجعله في النسيان.

و ذات ليلة و القمر بدر يضئ السماء، و العاشقين يجلسان متلاصقين في هيام، اصطاد علاء حشرة مميزة و لفها علي لسانه بحرص شديد، و قدمها  لحبيبته التي أخذتها  منه على استحياء، ليقوم علاء بتقبيلها قبلة يبث فيها حبه و شوقه لها و اخيراً قطع القبلة وأسند جبينه علي جبينها ليلتقط أنفاسه المتلاحقة، ويسيطر على دقات قلبه الذى كاد يخرج من مكانه ثم رفع وجهها ليطالعها بحب:

تتجوزيني ياهدي.

هدي بغباء : هو انت كل ده لسه متجوزتنيش، يا فضيحتك يا هدى، الأبراص هيقول عليا إيه  دلوقتي، ماشية على حل برصي. 

علاء بتذمر: يخربيتك يا هدى بوظتي اللحظة، يهدك أنت و الأبراص كلهم  .

هدي : مش انت اللي غرغرت بيا، أتفضل أتجوزني و صلح غلطتك.

علاء : غرغرت بيكي! طب أجري يا هدى مفيش جواز .

هدي بدلال : من قلبك ياعيلااااء. 

علاء : يا خيبتك ياعيلااااء.

هدي : يا حبيبي ياعيلاااء .

علاء: حبك برص يا روح عيلاااء. 

 فيحتضنها بحب و هما يضحكان سوياً، و يتفقان علي الذهاب إلي  أعلي  شجرة شاهقة  في حديقتهم الغناء،  ليستمتعوا بشهر عسل وسط رحيق الزهور،  و جمال الطبيعة والغذاء الوفير، فيتسلقا الشجرة زحفا حتى وصلا إلى أعلى نقطة فيها، و جلسا  يلتقطان  أنفاسهما في سعادة فالمنظر من أعلي رائع جداً، و عاشا أياما كلها ضحك و حب و لعب و مرح .

وفي يوم غابت به الشمس، و تجمعت الغيوم  و دوي الرعد لتهتز الشجرة بعنف، و سطع البرق لينير السماء، وتساقطت الأمطار  بغزارة، فيحاول علاء و هدى أن  يجدوا مكان أمن  وسط الشجرة، ليدوي الرعد بقوة،  فتنزلق قدم هدي و تمد يدها في فزع تحاول التشبث بأي شيء،  فتناول علاء يد هدى عندما إختل توازنها وبدأت تنزلق صوب تلك الحافة الشاهقة ، كانت تصرخ من هول المفاجئة و قد تشبثت به بقوة وهي معلقة في الهواء لا يربطها بالحياة إلا يد محبوبها علاء التي تمنعها من السقوط من ذلك العلو  الشاهق .

كان علاء يحاول سحب هدى إلى الأعلى لكن الهدر كان يسري إلى ذراعه ، ينادي بأعلى صوته هل من معين ، هل من مغيث ، ويتردد صوته في الفضاء و لا مجيب ، بدأت عبراته  تنهمر ، و هو يرى حب عمره معلقا بين السماء و الأرض ، قالت هدى ببكاء:

سيب ايدى يا علاء، بلاش تضيع نفسك معايا، كان نفسى أكمل حياتى معاك بس شكلى خلاص رحلتى هتنتهى هنا.

وبدأت يدها تنزلق من يده وهو يصرخ من الألم ويتحامل على نفسه، فصرخت ببكاء:

مفيش فايدة سبينى وشوف حياتك عشان خاطرى سبينى.

لكن علاء كان قد خطط خلال لحظات لنهاية أخرى، فإن لم يستطيع إنقاذها فليرحلوا سويا، فتقدم زاحفا نحو الهاوية و لم يزل ممسكا بيد حبيبته و ألقى بنفسه معها واحتضنها ، واحتضنتها الهاوية معا.

انتهت.

ليست هناك تعليقات