الاكتفاء بالذات. بقلم موده محمد

soma30989@gmail.com
By -
0


     

  تستند برأسها على نافذة غرفتها، تنفث بعض أنفاسها الباردة لتصطدم بالزجاج وتُحدثَ تلك الهالة الضبابية، ترفع يدها لتكتب بعض الكلمات الحزينة على النافذة لا تتذكر حتى من أين لها بتلك الكلمات.

تتساقط قطرات الندى مُعلِنَةً عن بِدء هطول المطر ليتوازى مع انهمار دموعها على وجنتيها وكأن السماء تُشاركها أحزانها، أفاقت من شرودها وكانت عيناها تتبع قطرات المطر.. وبدأت بمسح خديها المُبتلٌين بالماء وهي تتساءل لِما كل هذا؟ ومن أجل من؟!.


نظرت إلى السماء لعلها تجد إجابة وقالت:


 يا سماءُ ما لكي من آفاق

ودمُوعك تنهمر في الآماق

فهل لي مخرج من سجن الحزن

أو حالة الضعف والإرهاق


تنهدت قليلًا ثم عادت لشرودها حتى سمعت صوتًا من خلفها يناديها..


يا ملكة في زمن الرقيق

يا ذات الشعور العميق

جففي دموعك ألا تنهمر

فقد جاءك مُنقذ ورفيق 


ففزعت من الصوت واستدارت فلم تجد أحدًا، فقامت من مكانها وأخذت تبحث في الغرفة إلى أن وقعت عيناها على المرآة فإذا بها ترى نفسها ولكن بشكل آخر وكأنها تُحدثها، اقتربت من المرآة وقالت: من هناك؟ 

فنادتها من داخل المرآة وقالت: مرحبًا بي!!

لم تستوعب الفتاة ما حدث وكأنها عاجزة عن فهم ما إذا كانت تهلوس أم لا.

قالت الفتاة: من أنت؟

ثم قالت في نفسها ما هذه الحماقة أُحدث نفسي في المرآة والتفتت لتعود إلى مكانها ولكن كلمات الفتاة التي في المرآة جعلتها ترجع مرة أُخرى حين قالت: أنا أنت، أنا الذات.

قالت الفتاة: من؟؟

قالت الذات: أنا أنت ولكن من جانب واحد وهو "الذات" 


ذاتُك التي تركتِها وكنتِ تحرقينها وتحترقين

لا أعلم ماذا الذي قمتُ به وهكذا كنتِ بي تفعلين

أراكِ وفي كل مرة عليكِ أُشفق

وجئتُك هذه المرة ناصحة أفلا تستمعين؟


صمتت الفتاة ولم تجد ما تقوله وقد تركت الساحة لذاتها لتُدلي بما بداخلها. 

الذات:

 أعلم أنك تحبين الشعر وجئتُك به مُحادثة

نصائح إن اتبعتِها فوزتي وإن لا حدثت كارثة

أولها أن ذاتك أغلى ما تملكين فكيف تُهينيها

وتترُكِ المجال لهم ليتمكنوا منها ويتحكموا فيها

نظرت الفتاة إلى ذاتها وبدأت بالبكاء وقالت: لأنني ضعيفة، لا أستطيع الاعتماد على نفسي ولا أجد من أتكىءُ عليه.


الذات: بلا تستطيعين

أنت قوة كامنة ألا تُدركين

لا تحتاجين لعصى عليها تتكئين

النصيحة الثانية عليكِ باليقين

بالله فقط وبه تتعلقين 

وليس بأحدٍ من الشياطين

استجمعي قواك وعلى الطريق ستسيرين

بنفسك وبذاتك واجمعي كل ما تملكين

من قوة تدفعك وعلى الله تتوكلين.


شعرت الفتاة بشيء من السرور لما تسمع وتُحادث وقالت: 


أهذه ذاتي أنا؟! وكنت عنها غافلة

كالإبل التي ضلت وابتعدت عن القافلة

من أين لكي بهذا الكلام وتلك العبارات؟!

أم فقط كانت عن الرؤيا تُعيقُني العبٌرات


ذاتك موجودة بجانبك في كل وقت وكل حين

لا أريد أن أسمع بعد الآن صوت الأنين

لن أرى الدمع تسقط إلا فرحًا بالنصر والنجاح

فهل لطلبي ورجائي تكوني من المُلَّبين؟


ابتسمت وشعرت لأول مرة بالزهو من ذاتها وبالافتخار  

وإذ بها تنظر للمرآة وقد اتخذت القرار

من الآن فصاعدًا ستعيش من أجلها 

وسَتَحذف من قاموسها مصطلحا الاستسلام و الانهيار  


الذات: الناس في الحياة  عامة وحياتك خاصة كل له  مشاغله وأولوياته ويجب أن يكون لكي المثل، ولكن إن شعرت يومًا أنكِ أصبحتِ من أولويات أحدهم فلا تفرحي كثيرًا؛ فاليوم أولوية والغد ثانوية.. ما نحن إلا لحظات في حياة البعض وذكريات عند البعض الآخر؛ فلا تتعلقي كل التعلق بمخلوق لا تعلمين هل بعد ساعة أو اثنتين سيكون معكِ أم في القبر مُنعمٌ أو سجين.. بل علقي قلبك وروحك وذاتك وكل ما تملكين بالحي الذي لا يموت بالله رب العالمين، ولا أقول لكي انبُذي الناس من حولك وابتعدي وعيشي في عزلة، بل نحن مُطالبون أن نتعايش مع الناس بحُلويهم ومُريهم لولا ذلك ما خلقنا الله شعوبًا وقبائل ومجتمعات.


سكتت لثانية ثم قالت:


نصيحتي الثالثة والأخيرة لكي أُلقيها

وهي حكمة أعجبتني وستستشعرين كل كلمة فيها

وإذ بالذات تختفي من المرآة بعد تلك الكلمات الأخيرة،  ولكنها لن تختفي من داخلها أبدًا بعد أن وجدتها من جديد.


في صباح اليوم التالي وكان عيد الحب.. ذهبت للتنزه قليلًا بمفردها وما إن وطأت قدماها أرض الشارع حتى شعرت وكأنها ترى الحياة بمنظور مختلف تمامًا، استنشقت بعض الهواء النقي وجعلت تملئ رئتيها منه وكأنه النفس الأخير ثم بعدها زفير طويل.

أخذت تسير في الطرقات وعلامات الحب بادية على وجوه المُحبين.. وكلما شاهدت ذلك المشهد وقد تكرر عشرات المرات تذكرت كلمات ذاتها والنصيحة الأخيرة.

تعلموا الاكتفاء بالذات، فأنا مكتفي بذاتي.. فأنا لست نصفًا ليكملني أحدهم.. وإن دخل أحد إلى حياتي فما هو إلا نجم يزين سمائي، وإن رحل فما أجمل السماء وهي صافية.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)