ads header

أخبار الموقع

قصه قصيره مشرحة الموتى


 بقلم أحمد الشيمي..

الزمان/ الواحدة بعد منتصف الليل.

المكان/ مشرحة موتى

دلف ممرضان يسحبان معهما شاب ميت على سرير نقال، وتركه أحدهما ليمنع دخول زوجته التي كانت في ركابهم تحاول الدخول وهي تصيح بهستيرية: 


 - (مراد).. إصحى يا (مراد).. إصحى.. 


فأخرجها وهو يواسيها: 


- مش هينفع كدا يا دكتورة (منى)! مش هينفع! 


فحاولت الدخول وهي تزيحه ناحبة في إنفعال: 


- لأ، أنا لازم أخش أصحيه، (مراد) مامتش! 


فأخرجها وأغلق الباب من خلفه، في الوقت الذي كان ينظر فيه الأخر إلى جثمان (مراد) لوهلة وهو يشفق عليه، أخرجه من هذه الحالة دلوف زميله الممرض وهو يسأله في حزن: 


- هنعمل إيه دلوقتي؟! 


فأجابه في حيرة: 


- مش عارف؟! هنسيبه كدا لحد ما دكتور (مدحت) يجي، بس يارب يعرف يجي من المطر إللي برا ده! 


 - ربنا يرحمه ويكون في عون مراته، حد ينتحر وهو في عز شبابه كدا! والدنيا مرتاحة معاه، فلوس وزوجة ذي الدكتورة (منى)، جمال ومال وأخلاق.


فعقب زميله:


- محدش عارف! كل واحد فيه اللي مكفيه.


وتابع وهو ماضي تجاه الباب:


- ما يمكن حوار تعبه هو إللي خلاه يعمل كده، ده كان عنده السكر والضغط في السن ده، دا غير حوار الخلفة.


ثمّ أشار له بيده مضيفاً:


- يالاّ بينا نشرب حاجة دافية عقبال ما دكتور (مدحت) يجي.


ثمّ خرجا مغلقان خلفهم الباب، وبمجرد أن إنصرفا ظهر شبح (مراد) في الغرفة واقفاً قبال جثمانه وهو ينظر إليه في حيرة ممزوجة بالفزع، يكاد لا يصدق عيناه، وإقترب من جثمانه في خطى بطيئة وجله، وأخذ يتحسس وجه جثمانه في أيدي مرتعشة، وهو يتمتم في ذهل:


 - إزاي؟! هو أنا ميت ولا بحلم؟!


وأخذ يتناوب ملامسة وجهه ووجه جثمانه، حتى كادت الحيرة والذهل أن يستبدا به، إنتشله من هذه الحالة صوت رقيق خافت، قادم من خلفه:


- متتعبش نفسك انت مت وشبعت موت!


فإلتفت خلفه مُنفزعاً، ليجد شبح فتاة تقف قباله! فإهتزت كل خلجة من خلجاته وهو يرجع خطوتان إلى الخلف مُضطرباً وهو يسألها في تلعثم:


 - انتِ مين؟!


فأجابته في هدوء ممزوج ببرود الثلج:


 - انا (هبة) زميلتك في الموت هنا!


ثمّ جلست على سرير  جثمانه فمرّ جسدها على رجلا جثمانه كأنه شفاف،  وأردفت:


 - تعالى، متخافش! شوية وهتتعود، أنا بقالي كام يوم هنا في التلاجه لوحدي، أهه تونسني شوية.


فألقى نظرة عابرة إلى ثلاجة الموتى وخالجه شعور بالخوف الشديد، ولكنه تجاسر وإقترب منها وهو يسألها في تتعتع:


- هو انتِ ميّتة؟!


فأجابته في سماجة وكأنها تواسي نفسها:


- أيوه، ميّتة، مقتولة! جوزي خنقني وهرب!.


فإقترب منها أكثر وهو يطالع رقبتها، فرأى أثار خنق حول عُنقها، فسألها سؤال كان يلِح مدوياً في عقله:


- طب هو أنا برضو ميت؟!


فأجابته في ثقة:


 - طبعاً، هو انت مش فاكر  موت إزاي؟!


فأجابها في حيرة:


 - لأ.


- خالص!


فأجابها وهو يحاول إنعاش ذاكرته:


- كل اللي فاكره إني خت دواء الضغط قبل ما أنام.


فعقبت وهي تطرق برأسها:


 - أيوه،أيوه، ما انا سمعتهم وهما بيقولوا إنك انتحرت.


فإلتقى حاجباه مُندهشاً، وهو يردد ما جاء على مسامعه:


 - إنتحرت! مين اللي قال كده؟! انا ما إنتحرتش.


فإبتسمت ساخرة:


 - تلاقيك كنت حاطط حاجة بدل الدواء علشان تنتحر! بس مش عايز تقول.


فعقب حانقاً:


 - بقول لك أنا ما إنتحرتش! ومراتي هي اللي كانت بتجيبلي الدواء.


 - الدكتورة (منى)!


فأجابها مُستهجناً:


- انتِ تعرفيها؟!


- شوفتها من شوية، كانت مموته نفسها عياط وعايزة تخشلك بس الممرضين منعوعها، شكلها بتحبك قوي!


فزاغ بصره مُتفكراً وهو يجيبها في حزن شارداً:


- دي حب عمري، يا ترى هتعيش إزاي دلوقتي؟


فعقبت وهي تُليح له بيدها ساخرة:


 - يومين وهتنساك، وهتشوف حياتها.


فقطب جبينه، وهو يُعنفها في صرامة:


 - بقول لك إيه! إسكتي أحسن لك! انت متعرفيش أنا بالنسبة لها إيه!.


فنهضت واقفة وهي تعلل في حنق:


 - شكلك طيب، ومتعرفش الستات بيفكروا إزاي! إسألني انا!


وإقتربت منه مُضيفة وهي تحاصره بنظراتها:


 - مش عايز تعرف سبب موتي؟!


ثمّ أخذت تحوم حوله، مُتابعة:


- انا جوزي قتلني لما إكتشف خيانتي له!


فثقبها بنظراته مُستهجناً هذه الجُرئه، ولكنها تابعت مُبررة، مُسترسلة في جُرئتها:


- أيوة كنت بخونه، علشان مبحبوش وماكانش عايز يسيبني، أهلي غصبوني عليه.


فعقب في إستياء بعد أن أثار حديثها إستفزازه:


- لا، أنا مراتي مش شبه أشكالك! إحنا واخدين بعض عن حب.


فعقبت في إبتسامة ساخرة:


 - عايز تقول إن ماكانش في حد قبلك؟!


فزاغ بصره شارداً، وكأنها وضعت يدها على جرح قديم، فتابعت وهي تنظر إليه بعد أن إستشفت أن كلامها صحيح:


- كان في حد قبلك! صح!.


فأجابها في إنكسار:


- صح، كان في دكتور زميلها كانت مخطوبة له، بس ما حصلش نصيب، مش فاكر إسمه (عصمت) ولا (ثروت).


فعقبت في لهفة:


- (مدحت)!


فعلت الدهشة وجهه:


 - أيوه (مدحت) إنت تعرفيه ده كمان؟!


 - لأ، بس سمعت الممرضين بيقولوا إنهم مستنين دكتور (مدحت) علشان يشرحك.


فشحب وجهه وهو يجيبها، بعد أن تذكر شيئاً:


 - أيوه صحيح، انا إفتكرت، ده كان دكتور طب شرعي.


- إمال مراتك دكتورة أيه؟!


- مُديرة معمل التحاليل.


فوضعت أصابعها على ذقنها، وشردت مُتفكرة للحظة، ثمّ عاودت سؤاله:


 - انت قولت لي إن مراتك هي اللي جابتلك الدواء قبل ما تنام!.


 - أيوه، عايزة توصلي لإيه؟!


فلمعت أعيُنها وهي تسأله:


 - طب مش ممكن هي اللي حاطتلك المنوم؟!


فأجابها في غضب مُستهجناً هذه الفكرة:


 - لأه طبعاً، انت ليه فاكره كل الناس خاينة ذيك كدا؟!


فإبتلعت هذه الإهانة، مُردفة:


- هو انتوا بقالكم كام سنة متجوزين؟!


فأجابها زافراً:


 - سنتين.


 - ومحصلش خلفة؟!


فأنكس رأسه في خذل:


- لأ، بعد جوازنا على طول، ربنا إبتلاني بأمراض الدنيا، وهي فضلت مستحملاني، وما سابتنيش.


فعقبت مبتسمة في تهكم:


 - أكيد علشان خاطر فلوسك!.


فهمّ بتعنيفها، فقاطع حديثهما جلبة في الخارج، فقد كانت زوجته صاحبة هذه الجلبة وهي تترجى الممرضان ليدخلوها لترى زوجها المتوفي، وبعد مناهدة رضخا وفتح أحدهما الباب، فإستئذنتهما بالإختلاء بجثمان زوجها لدقائق، لتودعه الوداع الاخير، فخرجا على مضض إذاعناً لرغبتها، ومضيا مغلقان خلفهم الباب، بينما وقف (مراد) شارداً للحظة وهو يحد النظر لزوجته وغمره شعور كدر ما بين الفرحة لرؤيتها وما بين الشفقة على حالها، ومضت (هبة) مُبتعدة قليلاً عن جثمانه، وهي ترمق زوجته نظرات شظراً، وبعد ان إُغلق الباب وقفت زوجته للحظة وهي ترمق جثمان (مراد) في نظرات أسى، فإقترب منها شبح (مراد) ووقف في مقابلتها وهي لا تراه، فأخذ يرنو إليها في وجم وهو مُوقن في دخيلته انها لن تستطيع رؤيته أو سماعه، ولكنه على أي حال سألها على حالها كعزاء لنفسه، فلم تسمعه أو تراه وإنما مرّت من خلاله كأنه شفاف، ووقفت عند رأس جثمانه للحظة ترنو إليه، ثمّ تغيرت سحنتها من الوجوم، مُبتسمة كذئب الغضا، مما أثار تساؤل شبحا (مراد) و(هبة)، فإقتربا منها يعلو وجهما الفضول، بينما إتسعت إبتسامة زوجته وهي تحدث جثمانه في تهكم:


- طبعاً انت فاكرني جايه علشان أودعك وشغل الصعبنيات ده! لأه، أنا جاي اقولك إني أخيرا خلصت منك.


فعلا وجه شبح (مراد) الصدمة، بينما تعالت (هبة) في ضحكاتها مُستسخرة منه في تهكم:


 - أهي طلعت شاكلي وأنيل كمان!


فإقترب منها (مراد) حتى أصبحوا وجهاً لوجه، وهو يسألها في صدمة، مُتمنياً ان ما يسمعه خطأ:


 - انت بتقولي إيه يا (منى)؟!


فإسترسلت (منى) في حديثها لجثمان (مراد)، وقد ضوى في أعُينها وميض مُريب:


 - وهقول لك على حاجة كمان! انا اللي جبت لك المرض، انت كنت سليم وما فكش أي حاجة، بس انا كنت بحط لك في الاكل والشرب جرعات مخففة من أدوية غلط انا عارفة تأثيرها إيه! 


كل هذا و(مراد) يتابع كلامها في حالة من الصدمة، بينما تحاول (هبة) أن تكتم ضحكاتها، مُتمتمة:


- كملي، إشجينا.


فتابعت (منى) وهي تلوي شفتها وتميل لوجه جثمان (مراد) مخترقة شبحه الذي كان لا يزال مصدوماً، لم يحرك ساكناً:


- بس انت طولت قوي! سنتين وبصبّر نفسي عشان تغور في داهية واخد فلوسك وأتجوز حبيبي (مدحت)!


ثم إعتدلت مُردفة بإبتسامة خبيثة، ووجها بوجه شبح (مراد) وكأنها تتبادل معه الحديث وتراه:


 -  ايوة (مدحت)، وعلى فكرة دي كانت فكرته، هو اللي خطط وانا اللي نفذت!


فإنفجر (مراد) غضباً وهو يحاول يأساً ان يصفعها، ولكن ضرباته كانت تمر خلالها بلا تأثير! وهي تولي له ظهرها مُنصرفة، فأخذ منه الغضب مأخذاً وهو يحاول أن يرمي عليها أدوات التشريح التي كانت بالقرب منه، ولكن كل ما إستطاع التأثير عليه هو أن أزاح "المشرط" عن موضعة فسقط أرضاً، فإلتفتت (منى) مُنفزعة على صوت سقوط "المشرط"، وأخذت الدهشة (هبة)، وهي تتناوب التحديق الى (مراد) وإلى المشرط، وعلا وجهها الذهل وهي تسأله:


- انت عملت كدا إزاي؟!


في الوقت الذي هرولت فيه (منى) وهي تخرج خائفة فإستوقفها الدكتور (مدحت) مُصتدماً بها على باب المشرحة وبرفقته الممرضان، فإرتبكت وهي تبادله نظرات ملأى بالشغف، ولكن سرعان ما إبتعدت عنه قليلاً، وإرتدت قناع الحزن، وإصطنعت بعض الدمع حتى تحبُك الموقف أمام الممرضان، ثم مضت مُنصرفة، ودلف دكتور (مدحت) وهو يشير في سماجة للممرضان بيده إلى المشرط الملقى على الأرض:


 - شيلوا المشرط اللي على الارض دي وجهزوا الدنيا.


بينما إرتدى هو ملابس التشريح، كل هذا حدث أمام شبح (مراد) الذي كان في حالة صدمة لم يحول ناظريه عن دكتور (مدحت) والغيظ ينضح من عيناه، فإقتربت منه (هبة) وهي تعاود سؤاله في إهتمام:


 - انت وقعت المشرط ده إزاي؟! مفيش حد قبل كدا شوفته عمل كدا!


 - قصدك إيه؟!


 - قصدي انك ممكن تكون لسه حي! 


فإلتقى حاجباه مُندهشاً، في الوقت الذي هيّأ فيه الدكتور (مدحت) نفسه لإجراء التشريح هو والممرضان، فإلتفت إليهم وهو يصيح صيحة إنتصار من صميم قلبه:


 - أنا لسه عايش!


وأخذ يصيح في وجه الدكتور (مدحت)، مردداً جملته الأخيرة كالمستجير من الرمضاء بالنار، بينما كان هو يمسك المشرط ويهم بتشريح جثمانه، وفجأة!


دب دبيب الحياة مرة أخرى في جسد (مراد) وهو يمسك يد دكتور (مدحت) بقبضة من حديد، ويثقبه بنظراته الحادة.

هناك تعليق واحد:

  1. رائعه يا استازنا ارجوك متتاخرش فى التكمله احسنت

    ردحذف