ads header

أخبار الموقع

الوصول عبر الأصول بقلم الكاتب: أحمد سليمان أبكر


 قصة قصيرة

***

الوصول عبر الأصول

 حيطان وأسوار وجدها قائمة بينه وبينها كلما حاول الاقتراب أكثر من المسموح، استطاعت بناء هذه الحيطان والأسوار رغم صراحتها ورفع الكلفة بينها وبين من يتحدث إليها.

جلس إلى مكتبه،أمامه أكداس من الملفات العتيقة والأوراق المتراصة وهو يقلّبها،يرفع رأسه بين الآونة والأخرى مخرجًا من بين شفتيه زفرات حارة تدل على تتضجّره من صعوبة العمل الوظيفي، وهو الذي تمرّد على حياة الترف بحثًا عن عالم جديد للتنزّه والمرح،ثم ما لبث أن نهض من كرسيه،اقترب من النافذة وقد هربت نظراته من خلالها واجتازت حدود المكتب، تجوب أركان الشارع المجاور. 

يعلم منذ أن وطئت قدماه القرية كمرشد زراعي أنه محكوم بسطوة القانون الاجتماعي الذي يجعل من أية نظرة لفتاة خروجًا على الأعراف والتقاليد،وقد تعرّض صاحبها لأقسى أنواع التوبيخ والزجر رغم ذلك فإن أنوثتها التي رآها قد أرسلت فيه نداءات ساخنة،تمنى لو أنه شاعر لكان قد كتب قصيدة نثر فيها سخونة كل ما بداخله من أحاسيس لا زالت تختلج في نفسه أيما إختلاج،لقد أدهشه التناغم اللوني بين لون بشرتها السمراء بفعل الشمس وبين لون عينيها الزرقاوين وشعرها الأسود المنسدل على كتفين ناعمين،لا يذكر أنه وجد هذا التناسق في المدينة من قبل.

ولا تسل عمَّا ألمَّ بقلبه من الغم وعقله من اليأس حينما رأي أنَّ صعود الفضاء أقرب إلى الأمل من مجرد النظر لتلك الفتاة من قريب مرات  ومرات،فركن إلى الاستسلام،وقد رمي بطرفيه إلى داخل المكتب وعاد إلى كرسيه.

إن لم يحتويه المرح، فلتحتضنه المأساة، قرر أن هذه هي مأواه،تبعها ساعة عودتها من الحقل، وقفت تحادث إحداهن، تباطأ في سيره،قلبه ينبض بشدة، قطرات العرق تقطر من مسامات الجلد،وتبقى تتراكم القطرات ثم تسيل منزلقة، المنديل وحده لا يكفي لتجفيفها،كاد ينصرف عن الموضوع برمته،أو يؤجله لوقت آخر،انصرفت الأخرى، هي أمامه الآن، لا أحد هنا أو هناك، لن يجد مثل هذه الفرصة مرة أخرى، توكل على الله، ناداها ، التفت إليه وقالت باستغراب وقد عقدت ما بين حاجبيها متصنعة الحزم،فتزداد في مثل هذه الحالة فتنة ويتوهج جمالها، ينفرج الثغر قليلًا،ترتخي الشفة السفلى في دهشة مثيرة، ثم تتسع العينان حتى تمس أطراف الحــــاجبين: مرحبًا بك أيها الأفندي، أتريد أن تقول 

شيئًا؟

قال: نعم  أريد أن أتحدث إليك في أمر هام.

نظرت إليه طويلًا وما زالت تتصنع الحزم في دلال، تصنع بالهزل أكثر منه بالجد، وقد أومأت برأسها لتسمع منه،مرت فترة صمت،نظراتها تصله حادة، تصد وتجذب في آن واحد،أنهى حديثه الذي بدأه متلعثمًا، أحس أثناءه بشيء من الفرح عندما انطلق لسانه معبرًا،شيء من الحياء غير عادي بدأ عليها، أرخت أهدابها،نظرت إلى أسفل، إصغاؤها وخضوعها شجعاه للاستمرار في الحديث، غشى وقفتهما نوع من الإلفة، قالت له: فتيات المدينة جميلات وكثيرات،لماذا لا يختار واحدة منهن؟ وهو شاب وسيم ثري، ولما يربط نفسه بفلاحة مثلها؟

خلعت ثوب الحياء وارتدت ثوب الجد، اختفت الإلفة وقامت الحيطان والأسوار عندما حدثها عن الوحدة والوحشة والبحث عن المأوى.

ارتسمت على وجهها الصرامة، أومأت نحوه مبتسمة تنهي اللقاء،خطت خطوات مبتعدة عنه، قال لها: أنه جاد بأن يضعا رأيًا واضحًا لهذا الموضوع.

توقفت، التفـــت نحوه وقالت: إنها فلاحة، والوصول إلى قلبها يمر 

عبر الأصول. 

تقدم لها كانت من نصيبه، سعد حاله، أصبح في نعمةٍ واسعة من العيش الطيب، بعيدًا عن صخب المدينة وضجيجها،وقد أضحي متخمًا بحب الأرض وفلاحتها. 

***


ليست هناك تعليقات