ads header

أخبار الموقع

فستان زفاف بقلم سمر سعيد


 قصة قصيرة

                            فستان زفاف

أغلقت أذنيها بكلتا يديها حتى لا تسمع أصوات الزغاريد والأغاني، كانت الأصوات تصدح بأرجاء الحي؛ كلماتهم لا تفارق عقلها وكأنها نقار خشب يدق فوق رأسها بقوة (عانس منحوس).

نظرت من نافذة غرفتها لتجد السعادة تزين منازل الحي عدا منزلها، افرع الزينة تتدلى من الشرفات، فتيات الحي اللاتي يصغرنها بعدة سنوات، منهم من تزوجت ورزقت بأطفال تصرخ بأسمائهم في قارعة الطريق، البعض الأخر تمت خطبتهن، فطنت لما سيحدث اليوم فوالدتها سوف تصر على مجاملة جاراتها وبالتالي سوف تذهب معها لتصبح فريسة سهلة لباقي نساء الحي، أغلقت كل النوافذ حتى تمنع الأصوات من الوصول إليها.

لحظات وسمعت دقات على باب شقتها، التزمت غرفتها وانتظرت والدتها تقوم بفتح الباب ألا إن طرق الباب مازال مستمر لم تجد سبيل ألا أن تقوم بفتح الباب بنفسها.

ما أن فتحت الباب حتى وجدت عروس الحي ومعها بعض من صديقاتها يطلبن منها استخدام شقتها للاستعداد فجميع منازل الحي مكتظة بالأطفال ماعدا شقتها، فهذه الأحياء الجار له الحق في جاره وكل ما يملكه، بحثت عن والدتها بأرجاء الشقة فلم تجدها.

على صوت الأغاني بشقتها، نظرات الفتيات لها كانت تتحدث بكل ما يكن بقلوبهم وعقولهم، بدلت ملابسها وهمت بمغادرة الشقة بعدما حضرت والدتها. 

هبطت الدرج تتوارى من نظراتهم التي تخترق جسدها، كأسهم حارقة، كانت تستمع لهمساتهم بقلب مكلوم لا تقوى الرد عليهم..

نظرت لها سيدة عجوز تقطن بالطابق الأسفل للمنزل المقابل لها تتشدق بالكلمات على حالها وما آلت إليه، اقتربت نحوها سيدة أخرى من قانطي الحي وهي تشير نحوها ( عانس منحوس) الجميع تزوج ماعدا إياها. 

اخترقت الكلمة طبلة أذنها كأنها رصاصة مدوية أصابت قلبها قبل أذنها، لتحدث نفسها:

ما ذنبي؟ لمَ وصمت بعار لم أقترفه؟ 

خرجت من الحى والحسرة تملأ روحها، بخطى متعثرة توجهت مسرعة نحو قبر والدها تنتحب لحالها ظلت تبكي فقد تجاوزت منتصف العقد الثالث، بدت التجاعيد تشق طريقها بوجهها، نضارتها هربت، اختفى بريق عيناها، فشلت جميع كريمات التجميل في وقف هذا الزحف الضاري.

تذكرت كيف كانت ترفض الخُطاب من أجله كانت تحبه بينما هو تحجج بضيق الحال، اقترض منها سلفة من المال بغرض السفر لتكوين عش الزوجية والعودة للارتباط بها مرت السنوات، انقطعت أخباره بعد فترة لتعلم عن طريق الصدفة أنه تزوج غيرها واكمل حياته متجاهل وجودها تماما.

غم الليل وهي جالسة بين الأموات تشكي حالها لهم كان الصمت يعم المكان رنين هاتفها أخرجها من حالتها المريعة لتجد والدتها تطلب قدومها لحضور زفاف جارتها علها تجد عريس لها فهي أصبحت كالأرض البور، أغلقت الهاتف لتبكي مجددا فكلمات والدتها كانت تشبه كلمات الجميع لاذعة.

نفضت الأتربة عن ملابسها وتوجهت إلى حيها، بدلت ملابسها ارتدت فستان من اللون البيج، رسمت السعادة على ملامحها لإرضاء والدتها ما أن دلفت إلى الزفاف حتى بدأت الهمهمات، نظرات الجميع كانت تنهش روحها تأبطت كل فتاة بذراع زوجها لتثبت لها أنه ملكية خاصة لا يحق لها الاقتراب أو الجلوس بجوارهم.

جلست بزاويه بعيده عن الجميع لكنها لم تسلم من نظراتهم، وكأن عيون الجميع تطالبها بالرحيل.

صعدت شقتها مكلومة القلب لكن أصواتهم ظلت تدوي برأسها، صرخت بأعلى صوت لها أصمتوا، ألا أن أصواتهم وضحكاتهم لم تتوقف بل زادت، فتحت خزانة ملابسها قامت بارتداء فستان زفاف ناصع البياض كان يزين خزانتها وقفت أمام المرآة تتأمل حالها وجماله الآخاذ، لتجد وجوههم تسخر منها كلماتهم مكتوبه أمامها عانس   حملت مزهرية كانت تزين مكتبها لتهشم بها مرآتها علهم يتركوها بحالها، تناثر الزجاج بأرجاء الغرفة كما تناثرت روحها، سقطت أرضا بجوار الزجاج تبكي حالها، قررت إخماد أصواتهم للأبد حملت زجاجة كانت تحملها بداخل حقيبتها لتتناول جميع حباتها معلنة أنهاء مأساتها لتسبل جفنيها للأبد فأخر ما رأته كان فستان زفافها.

#سمرسعيد

ليست هناك تعليقات