الفصل 1

عازف الكلمات
By -
0

 


#رواية 

حين يجمعنا القدر 


الفصل الاول

                                        

إنها اللحظات الأولى لبزوغ الفجر الجديد، شتاء قارص وهدوء يعم المدينة، حبات المطر تتساقط على زجاج الشرفة وطرقات سريعة ومتلاحقة على باب المنزل، استفاق أنيس من نومه وهب فزعـًا حين رأى تلك الفتاة الناعمة الذي أنكشف عن كتفها الغطاء، نزل من فوق فراشه ووقف بجانبها محاولاً تذكر ما قد حدث ليلة أمس وما الذي جاء بتلك الفتاة إلى مخدعه، استفاق من شروده حين سمع أحدهم يعاود ويطرق الباب من جديد فأسرع ليتفقد من بالخارج وهو يحاول أن يغلق زر قميصه واذا بسهر تستيقظ وتفتح عيناها متحدثه: أنيس يا حياتي مين المزعج اللي جاي في وقت زي ده؟


_ والله مش عارف مين، هروح اشوف 

تركها و أسرع ليفتح الباب وقد ارتدي قميصه وفي محاولة لغلق زر القميص، تجدد الطرق على الباب ليزفر بحنق شديد مردفـًا: طيب طيب يالي على الباب، إيه هيا الدنيا طارت، ما بالراحة شويه، إيه في إيه؟

 

أيرع الخطى حتى وصل للباب وفتحه وإذا بالمفاجأه تسقط عليه كالصاعقة لتتسع حدقتا عينيه ويفتح فمه كالأبله ثم ازدرد لعابه قائلا: مين حور .... أاااااا... أنتي... أنتي إيه اللي جابك هنا دلوقت، قبضت على طرف قميصه وازاحته من طريقها بدفعة قوية ودلفت تتفقد المنزل حتى وصلت لمخدعه وسط محاولة من أنيس لمنعها، تنهمر دموعها كالشلال 

_ صرخت في وجهه متسائله: مين دي؟ هي وصلت بيك القذارة انك تخوني، لأ ومع مين... مع دي، واحده ساقطة من بنات الليل ياخسارة حبي ليك وثقتي فيك طول الفترة اللي فاتت.

استدارت لتخرج في محاولة من أنيس لمنعها وهو يبرر لها قائلاً: حور افهميني، الموضوع مش زي ما أنتي فهماه، أنتي فهمتي غلط، أرجوكي اديني فرصة اتكلم.

أجابته والدموع تغطي وجنتيها، اختنقت الكلمات وتحشرجت أنفاسها في حلقها قائله: فرصة، فرصة تاني بعد اللي شوفته بعيني، حرام عليك كفاية بقى.


ضحكت سهر ليصدح صوتها في جنبات المكان مستهزأه لتتحدث إليه: تفسر، تفسير إيه، هيا مين دي اللي هتفسرلها يا عنيا، شوفي يا حبيبتي أنا هفسرلك... 

اقتربت من أنيس وتمايلت عليه وتلمست صدره العاري وأردفت قائله: أنا بحبه وهو بيحبني واللي شوفتيه حقيقة مش خيال، تقدري تقوليلي بقي انتي مين وجايه ليه في الوقت ده؟

يالا يا حبيبي سيبك منها وتعالي نكمل نوم الجو برد 


_ معقوله أنا كنت غبية للدرجة دي، ضيعت كل السنين اللي فاتت دي وأنا بحب واحد خاين وكل يوم مع واحده شكل، مكنتش بصدق أي حد لما كان بيقولي الكلام ده وكنت رافضة اسمع لعقلي، كنت بسمع لقلبي بس.

 

تحركت للخارج وهي تُحدث نفسها: اروح فين بس يا ربي بعد ما سيبت البيت علشان واحد حقير زي ده، عارضت أهلي علشانه ودلوقت أنا في الشارع لا أقدر أرجع لأهلي ولا بقى في حبيب يقدر يسندني ويقف معايا ويحميني من الدنيا والكلاب اللي عاوزه تنهش فيا، منك لله ضيعتني، لو رجعت لأهلي مش ممكن هيسامحوني على عملتي دي أبدا، أنا بقيت عار عليهم ولازم يغسلوا عارهم بإديهم، كنت فاكرة أني حبيت راجل هيحميني وهيحمي حبنا حتى من أهلي بس للأسف طلعت حقير يا أنيس.

 

لاحقها أنيس متوسلاً أن تنتظر وتسمع حديثه ولكنها ابعدته عنها محذرة أياه وهي تُشهر أصبعها أمام عينيه: أوعي تيجي ورايا، أنا بكرهك وبكره نفسي كل ما افتكر أني طلعت واحدة غبية حبت واحد خاين زيك

تركته وتحركت للخارج، ترجلت بمفردها لا يؤنسها في ذلك الوقت سوى دموعها، ما يقرب من ساعة كاملة لا تعرف لها وجهة محددة، ساقتها قدماها حتى شعرت بالتعب والإجهاد وما عادت تستطيع أن تحملها، شاهدت من بعيد وسط الأرض الخضراء الواسعه باب كبير مُعلق فوقه لافته وقد خُط عليها مزارع السعيد، اقتربت وراقبت المكان ولم تشهد أحد بالداخل، تسللت ودلفت ومن بعيد وجدت غرفة فتوجهت إليها لتتفقدها جيدًا وعندما اطمئنت من خلوها، دلفت في هدوء وألقت بجسدها المرهق وملابسها المبللة فوق مقعد خشبي كبير، استلقت ومدت جسدها لتهاجمها أفكارها من جديد لتعود الدموع لتنهمر بشدة من بين أهدابها لا تقوى على السيطرة عليها وهي ُتحدث نفسها قائله: إزاي صدقتك كل السنين دي، إزاي حبيت واحد خاين مقدرش حبي ليه، إزاي فضلته على أهلي وسيبتهم ومشيت، يا ترى عاملين إيه دلوقت؟

ياااااه انا للدرجة دي كنت غبية، أخد عقلي وتفكيري للدرجة دي، يعني هو كان بيضحك عليا أما كان بيقولي بحبك وكان بيرسملي حياتنا وهنعيش فين وهنجيب كام طفل، يعني كل ده كان كدب. 


ازداد نحيبها، شعرت بالإجهاد الشديد، ارتجف جسدها من شدة البرودة، لاحظت غطاء لسيارة قديم موضوع في جانب الغرفة فأسرعت وانتشلته من وسط الأقفاص البلاستيكية الموضوعة عليه، التفت به وحين تسلل الدفء إلى جسدها النحيل، راحت في ثُبات عميق، شاهدته في منامها وسمعت صوته يتحدث إليها: بحبك يا حور، وعمري ما هحب غيرك، ولا أعيش مع مع واحدة تانية غيرك، لو خيروني بين الموت أو أني أعيش مع واحدة تانية هختار الموت ولا أسيبك لاحظة واحدة. 


استفاقت وقد انتابها الفزع والخوف، اعتدلت من نومها تجول بنظرها في أرجاء الغرفة تبحث عن أنيس ولكنها تيقنت أنه مجرد حلم. 


رفعت الغطاء الذي وقع على الارض وأعادته إليها والتفت به جيدًا، شردت بتفكيرها لتتذكر الحوار الذي دار بينها وبين أنيس 


_ أنيس يا حبيبي في واحد متقدملي وأنا مش عارفة أعمل إيه، ده ابن صاحب بابا وطبعا موافقين عليه. 


_ احنا اتكلمنا قبل كده في الموضوع ده وأنا عملت اللي عليا وجيت اتقدمتلك ووالدك رفض وقال انت لسه بدري عليك أما تبقي تخلص الجامعة تبقى تيجي تتقدم وكل شيء قسمه ونصيب، قوليلي في إيدي إيه أعمله ومعملتهوش وطبعا مش هكرر التجربة تاني واروح واترفض تاني، استني بقي أما نخلص دراسة علشان يوافقوا. 


_ وانا مش هتجوز حد غيرك، لازم تتصرف يا أنيس ولا هتسيبني أروح منك وأعيش مع حد تاني، أنت ناسي أما قولتلي اموت ولا أعيش مع واحدة غيرك، اتصرف وإلا هموت نفسي. 


_ طيب بس اهدي، دلوقت مبقاش في غير حل واحد. 


_ إيه هو الحل ده؟ 


_ إننا نهرب مع بعض ونسافر أي بلد ونتجوز وبكده هنحطهم قدام الأمر الواقع ووالدك هيوافق على الجواز مش هيقدر يرفض. 


_ بس ده مش حل يا أنيس، أنت عاوزني أقضي على أهلي، بابا عنده القلب ولو عرف اني هربت معاك ممكن يحصله حاجه بسببي، لأ لازم نشوف حل تاني غير ده. 


_ أوووووه خلاص بقى اتصرفي انتي، هو ده الحل الوحيد اللي عندي، أنا ماشي وأما تفكري في كلامي أو تلاقي حل تاني كلميني أنا مستنكي. 


_ يعني هتسيبني وتمشي. 


_ أنا خلاص قولت اللي عندي، اتصرفي وفكري وأنا منتظر منك رد، لو عوزاني هتلاقيني في البيت وإلا هيكون آخر ما بينا وكل واحد فينا يروح لحال سبيله. 


تركها شريدة تعصف بها أفكارها وبعد لحظات استفاقت وعادت لبيتها 

______________________


منصور: تعالي يا حور يا بنتي اقعدي جنبي، أنا عاوز اتكلم معاكي في موضوع مهم. 


_ خير يا بابا، اتفضل، أنا سامعة حضرتك. 


_ سامح ابن عمك محمود صديقي، انتي عرفاه طبعا، جالي الشغل النهارده وطلب إيدك مني، طبعا عمك محمود صديق عمري والولد مفيش عليه غبار وأي واحد من أصدقاء عمك محمود يتمناه لواحدة من بناته والحمد لله هو اللي اختار محدش أجبره، هاه إيه رأيك؟ 


_ أيوه يا بابا، ماما اتكلمت معايا في الموضوع وأنا قولتلها مش عاوزه اتجوز دلوقت، يا بابا أنا لسه في الجامعة وأما اخلص دراسة أبقى أفكر في الجواز. 


_ يا بنتي أنا شايف الولد كويس، وانا اتكلمت معاه وقالي انه معندهوش مشكلة في موضوع الدراسة، وعرض إنكم تتخطبوا سنتين وعلى ما تخلصوا تجهيز الشقة هتكوني انتي خلصتي الجامعة، معاكي وقتك فكري براحتك وادرسي الموضوع وردي عليا متستعجليش، ومتنسيش يا بنتي أني مريض ونفسي أفرح بيكي واطمن عليكي انتي وأخوكي قبل ما أقابل وجه رب العالمين. 


_ ألف بعد الشر عليك يا بابا، العمر كله ليك، إن شاء الله هتفرح بينا وتشيل ولادنا بإذن الله، عموما أنا هفكر وهرد عليك واللي فيه الخير يقدمه ربنا.

_ عين العقل يا بنتي ربنا يصلح أحرالك وينور بصيرتك ويهديكي لللأصلح ليكي، روحي هاتي المصلية أما أصلي العصر.

- حاضر يا بابا لحظة واحدة هتكون عندك.

أسرعت تناوله المصلى قائله: ادعيلي وأنت بتصلي.

افتر ثغره عن ابتسامة هادئة، واومأ برأسه بالموافقة، تركته ودلفت لغرفتها لتنفرد مع مشكلتها باحثة لها عن حل ينجدها من البحر الذي ستغرق فيه.

#نوري

#يتبع


بعد اذنكم ارفعوا المنشور بالتعليقات علشان يوصل للناس وتقدر تتابع ولكم جزيل الشكر 😘

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)