بقلم إيمان أحمد عبد الحفيظ
العمل: قصه قصيرة بعنوان
( حين غفلة )
كان يجلس بجوارجدار إحدى البيوت الفاخرة حافي القدمين لا يستر جسده إلا القليل من القماش يرتعد من البرد
ولا يملك ما يسد رمقه ، يبكى فى صمت جوعه وقلة حيلته .
كان فى الجهة الأخرى داخل نفس الجدار من هو أصغر منه عمرا يمسك فى يديه نوعاً فاخراً من الشكولاته التى يشتهيها الجميع صغيراً كان أم كبيراً , لا يهتم بشئ يصرخ طلبا للمزيد .
كلاهما طفلين لبيئةٍ واحدة ولكن هيهات لحال كل واحد منهما .
إبكِ يا صغير فمن يراك أو يسمعك إلا خالقك وحده يرأف بحالك ويرسل إليك من يرعاك.
رأته من بعيد وأقبلت عليه مهرولة ورددت فى نفسها لا حول ولا قوة إلا بالله .
سألته فى حذر ما اسمك يا صغيرى؟
رد عليها وهو يرتجف خوفا وتعبا .. إسمى وليد .
سألته مرة أخرى .. وكم عمرك؟
عمرى هؤلاء .. وأشار بيده على اليد الأخرى خمس صوابع ..
سألته فى جزع من هول مارأت به حال ذلك الطفل المسكين ..
ومن أين أتيت ؟ ولماذا تجلس هكذا أين والديك ؟
كان يشهق من كثرة البكاء ولا يستطيع الرد عليها فهدأته وقامت بخلع معطفها الخاص وجعلته يرتديه ..
ثم قالت له تعالى معى لاتخف ..
رأى فى عينيها ضالته يحدث نفسه ,هذه أمه التى لا يعرفها بالتأكيد .! كان ذلك شعوره بها بالرغم من صغر سنها فكيف يدرك ذلك الصغير أنها لم تتعدى عامها العشرين ولها قلب من ذهب يرفض الخطأ ويفعل الصواب .. فقد رأت من الصواب أن تأخذه معها إلى منزلها حتى تطعمه وترى مايجب عمله لرعايته فما هو إلا ضائع لايدرك شيء ولايعرف ماذا يفعل ؟!
دخلت الى منزلها تبحث بعينيها عن من فى المنزل ..رأتها من الداخل والدتها وسألت .. هل عدت يا جنه ؟
ابتسمت جنه وردت على والدتها نعم عدت يا أمى ..كيف الحال الأن ؟
ردت الأم وهى مقبلة على ابنتها بخير الحمد لله لقد تجاوزت صداع الصباح قليلا ..وصمتت فجأه كما تحدثت فجأه وهى تنظر لابنتها ولمن خلفها الذى لا ترى منه إلا القليل لأنه مختفيا داخل معطف ابنتها ,ثم اتسعت عينيها وقالت ..ما هذا؟
ردت جنه فى صوتٍ حان .. إنه وليد يا أمى
صاحت الأم .. ومن وليد هذا ؟
ابتسمت جنه فى خوف وامسكت ذراع والدتها .. هيا نحضر الطعام سويا وسوف أروى لك ما حدث معى وأنا عائدة من الجامعه ..
غضبت الأم وكتمت غضبها حتى لا تشعر الطفل بما يحدث لكنها أبدا لا تؤيد ما تفعله ابنتها.. ودخل الأب والإخوان والجميع لم يكن على استعداد بتقبل ما تريده جنة من أجل ذلك الطفل..
كيف وهى تريد أن يقيم معهم ويتم معاملته على أنه فرد من الأسرة والعمل رعايته وتعليمه وكل متطلبات الحياة بالنسبة له.. فإن ذلك مرهق جدا ماديا عليهم فما هم إلا أسرة متوسطة الحال يكفيهم دخلهم بالكاد خاصة وأن ثلاثة أولاد وبنت جميعهم فى مراحل التعليم المختلفة..
جلس الطفل على جنب من غرفة المعيشة لا يتكلم ولا يتحرك كثيرا خائفا من رد فعلهم إن قام بأى فعل لا يرضوا عنه..
كانت جنة حزينه تتوسل والدها أن يوافق على إعالة الطفل وليد فى منزلهم..
فهو وافق على اطعامه و إعطاءه بعض ملابس أخيها الأصغر لكى تدفئه فى تلك الليالى الشتوية..
صمت وأخبرها ألّا تسبق الأحداث ربما يظهر له أهل قد أضاعوه فى حينِ غفلةٍ منهم..
بالفعل تنفست جنة الصعداء قليلا فربما يحن والديها وينفذو رغبتها...
على الجانب الآخر كان المنزل الفاره الذي يحيط به حديقة ضخمه قد تسع لعمل مساكن عدة للفقراء ولكن يرزق الله من يشاء بغير حساب.. كان الطفل ذو ثلاث سنوات يصرخ ويحطم كل ما بيده بسبب عدم اعطاءه جهاز النقال الذى أصبح وسيلة الأهالى لإلهاء أبناءهم عنهم وعدم بكاؤهم واليوم يزيد حطم الجهاز بعد أن أوقعه على الارض وهو يلهو ويجرى خلف إبن المربية التى تعمل لديهم والآن يريد غيره وتعاقبه والدته بأنه تصرف خاطيء ولابد أن يعتذر وبعدها يأتوا له بغيره حتى يكف عن الصراخ وبالطبع الطفل يعرف جيدا أن صراخه سيأتي بنتيجة أسرع دون أن يضطر إلى أن يعتذر أو غيره...
لم تعد تجدى تلك الطريقة مع ولدك يا حلا إنه يزيد عنادا وصراخا كلما حاولنا تهدأته .... كانت تلك والدة حلا الرشيدى رئيسة جمعية حقوق الانسان فى أحد أ شهر نوادى المدينه ... وكانت حلا لا تهتم إلا بما يأتى فى مجلات الموضة وأحدث صيحات الملابس والاكسسوارات وفى ذلك كانت الملهاة لها كي تتناسى ما أحزنها منذ سنوات..!!
قالت لها والدتها : انتبهى لولدك يا حلا ألم يكفينا ماحدث من قبل ! جحظت عينا حلا بشده من هول الذكرى ثم أغمضت عينيها حتى لاتترك اثرا يظهر عليها فلم يعد لديها من الدموع فائضا .!
همهمت حلا بكلام غير مفهوم وتركت والدتها وصعدت لغرفتها دون رد ...
مرت الأيام وقد أقنع محمود والد جنة أن يقوموا بعمل إعلان فيه صورة ومواصفات الطفل وليد فلابد أن يحدث ويكون له أهل يبحثون عنه .. وبالرغم من عدم رضا جنه عن ذلك الحل إلا أنها فرحت لوجود وليد معهم حتى يظهر له أهل ..
وتمر أيام أخرى ويظهر وليد مع جنه فى لقاء مع أصدقائها فى النادى بدعوة منهم لها أن تحضر معهم حفل خيرى ..تسير بسرعة وهى لا ترى أمامها تبحث عن ولدها الذى هرب منها ليلعب بعيداً تنهمر الدموع على وجهها وتصطدم فى طفل ذو خمس سنوات وتنظر إليه فاغرة فاها .. وتقول له دون إراده منها ..وليد أين كنت؟ ..ينظر إليها دون فهم ويجيبها فى براءة .. كنت فى الشارع .. فتشهق حلا باكية بصوت يقطع أنياط القلب ..فجاء زوجها من خلفها وجدها على تلك الحاله وفهم منها ماتعانيه .. أقبلت جنة تأخذ وليد ويعودا إلى المنزل ولكن تمنعها حلا وتسألها .. أين وجدتيه؟ .. فردت جنة مرتابة منها .. هل تعرفيه ؟ قالت حلا فى لهفة .. أجيبينى أولا .. أين وجدتيه ؟ ردت جنه لقد وجدته فى الشارع منذ أسبوعين خلف منزل من منازل الحى ...
سألتها مصرة .. وقبل ذلك أين كان يعيش ؟ فردت جنة عاقده زراعيها وبدأت تسأم منها لكثرة أسألتها ..لا أعرف , لم أراه إلا من أسبوعين .. فتركتها حلا ووجهت سؤالها إلى وليد .. أين كنت تعيش قبل أن تجدك ؟
خاف وليد منها ولم يجيب .. وأخذته جنه بسرعه ورحلت..وهرولت خلفها حلا ولكن أوقفها زوجها قائلا ..ألن تكفى عن فعل ذلك كلما رأيت طفلا فى عمره ؟ بكت وقالت هو.! أشعر هذه المرة أنه هو ..فرد زوجها بعصبية لم تنتبهى ليزيد وسيحدث معه كما حدث مع وليد وسنفقده بسبب إهمالك وعدم تحملك مسؤلية طفل صغير ..نظرت له ووجهها يملاه البكاء وحالها يرثى له .. إنك لا تشعر بى ولن تعرف ما أنا فيه .. قال لها فى تهكم من باب أولى أن تهتمى بإبننا الموجود بدلا من البحث عن المفقود ..تركته وعادت إلى والدتها المشغولة تماما باجتماع جمعية حقوق الانسان !!!
فى صباح آخر رأت حلا إعلان البحث عن أهل وليد وعرفت عنوان جنه وأهلها وقررت ماذا ستفعل ..!
بعد مرور أسبوع آخر .. دخلت حلا ومعها وليد طفل الشارع الضائع .. أقبلت والدتها وسألت فى ارتياب ..من هذا الذى دخلتى به علينا دون مقدمات ؟ قالت حلا فى فرحة شديده وليد يا أمى إنه طفلى وليد الذى فقدته منذ أربعة سنوات.. فزعت الأم وقالت لها .. أجننتِ تأتين بطفل من الشارع وتضعيه فى منزلة إبنك ؟؟ ردت فى تهكم لم أفعل ذلك إلا بعد أن تأكدت أنه ابنى لقد قمت بتحليل الدى إن اى وتأكدت أنه ولدى يا أمى ..
و أكملت باكية لقد علمت أنه كان يعيش قريبا من هنا فى بيت فقير فى الشارع الخلفى لقد كان بجوارى طوال الوقت ولم أعرف يا أمى لقد كدت أموت بعد فقدانه..
أظهرت الام تعاطفها مع ابنتها واخذتها فى حضنها وقالت فى هدوء .. ولكن يا ابنتى ربما .. قاطعتها حلا وتركت أحضان امها واخذت وليد معها لغرفتها وكان يزيد ولدها الثانى يقف على الدرج ينظر إلى حالة والدته ولا يفهم شيئا .. وعاد الزوج وعلم بما حدث ..
بالطبع قامت العاصفة فى المنزل الضخم على حلا الأم المكلومة على ابنها المفقود و الطفل الذى لا يعرف أحد من أين جاء ..
لم يتقبل أحد تلك الحقيقه وهى أن وليد من صلبهم أو يمتد لأى عرق لهم .. ولكن استطاعت حلا الأم أن تفرض عليهم الأمر وتصر على أنه ولدها فلقد عانت سنوات بدونه ولن تتنازل عنه أبدا مهما حدث ..حتى وإن كانت تعرف فى قرارة نفسها أنه ليس ولدها ولكن بعثه الله لها عوضا عن من فقدته .. وجادل معها الكثير فكانت تهاجمهم جميعا ..
كيف أنهم يتولون رعاية حقوق الانسان والكثير من الناس ولا يهتمون بمجرد طفل عانى الكثير وضاع متشردا بسبب اهمال والديه مثلما فعلت من زمن ليس بعيد ..
حزنت جنه لبعد وليد ولكن ما خفف حزنها سعادته الشديده بمن تدعى أنها أمه وبما وجد له من حياه كريمة فى النهاية هو طفل لا يملك لنفسه شيئا ...ولا يحب إلا أن يجد من يحبه ويرعاه ..
كيف كان هذا الطفل يعيش من أين جاء ماهو إلا إهمال وعدم تحمل المسؤولية
ربما كان لقيطا ولد فى الحرام و ألقته من أنجبته دون وعى أو إهتمام .. وهناك من كان والديه فى حينِ غفلةٍ منهم ضاع واختطف أو تاه فى طريقٍ مجهول ..
وهناك من ألقاه والديه خشية أن يزيد عليهم العبء بسبب كثرة الإنجاب..
فى كل الحالات ما ذنب ذلك البريء ومن مثله يعيش حياة كالحيوانات الضاله التى لا مأوى لهم ..
هناك من يسهل الله له ويجد من يرعاه وهناك من يشاء الله له قدرا آخر ..وليقضي الله أمرا كان مفعولاً..
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و اعتنوا بفلذات أكبادكم ليس من السهل التفريط فيهم أو الحرمان منهم .. فهناك من يتمنى ظفر واحد منهم ..فسبحان الله العظيم
.....تمت