وُلدت من جديد قلم مودة محمد

soma30989@gmail.com
By -
0



  حين تُقرر الاستسلام تذكر فقط أن تضع جميع ما عانيت للوصول لهذه المرحلة وتستجمع جميع أحزانك ونقاط ضعفك وتحولهم لقوة دفع تعينك على التقدم وتدفع بك إلى الأمام وليس للخلف.


كانت هذه المرة الأولى التي أقرر فيها الذهاب إلى ملجأ للأيتام ؛ فلم يحالفني الحظ في إنجاب أطفال ولم تكن علاقتي بزوجي جيدة منذ البداية حتى من قبل أن أعرف أنني لن أتمكن من الإنجاب أبدًا، فكان الانفصال هو الحل.

وقفت أمام المبنى شاهق الارتفاع أنظر إليه وأرجوه أن يحقق لي مرادي، دلفت إلى الداخل وكان أول ما وقعت عيني عليه هو ذلك الطفل ذو الكرسي المتحرك، ألمني هذا المنظر وكيف كان ينظر إلى الأطفال، تكاد نظراته تقفز من مقلتيه تتمني فقط لو أمكنه اللعب.


مديرة الملجأ: أستاذة "نوال" سعدنا بزيارتكِ كثيرًا

"نوال": أنا أسعد أستاذة "ابتسام" و تنهدت قليلًا ثم قالت ما اسم الطفل ذو الكرسي المتحرك؟

مديرة الملجأ: اسمه "علي"، مسكين هذا الفتى لن يجد أبدًا أسرة تتبناه بسبب إعاقته.

"نوال": أنا سأتبناه!!

ذهبت "نوال" وقلبها يخفق بشدة من اللقاء الأول بينها وبين "علي" بعد أن أخبرتها أستاذة ابتسام أنه قليل الكلام جدًا؛ فهي لم تتعامل مع طفل من قبل.


وصلا إلى الغرفة التي كان يجلس فيها "علي" وفتحت الباب.

أستاذة "ابتسام": صباح الخير يا علي، انظر من جاء لرؤيتك..

دخلت "نوال" واقتربت من كرسي "علي" وجلست بجانبه وبدأت تحادثه بعد أن غادرت أستاذة "ابتسام" الغرفة.


وبعد ساعتين..

أستاذة "ابتسام": حقًا يا "نوال" لا أعرف ماذا فعلت مع الفتى الصغير ليصبح هكذا، لم تكن الكلمات تخرج من فمه بسهولة ولكني أثق أنكي ستكونين أُمًا مثالية لهذا الطفل المسكين.

"نوال": ربما لأننا متشابهان فكل منا لديه عجز في أمر ما..

قامت "نوال" باصطحاب "علي" إلى منزلها وخصصت له غرفه خاصة، و قامت بتسجيله في المدرسة الإبتدائية، فرح "علي" بكل هذا التغير الذي قلب حياته مئة وثمانين درجة نحو الأفضل، فلم يكن في الحسبان أبدًا فكرة أن يتبناه أحد، كانت نوال تبذل قصار جهدها لتكون أمًا مثالية، وبعد تفكير طويل قررت أن تسافر إلى إحدى الدول الأجنبية ليبدأ "علي" مراحل العلاج، بعد أن شعرت وكأنه الهواء الذي تحيا به.


كانت كثيرًا ما تصطدم بعبارات مثل.. لا أمل في العلاج، لن يسير مجددًا.. ولكن إصرارها غلب كل تلك العبارات وبعد حوالي سنتين من العلاج استطاع "علي" وللمرة الأولى الوقوف علي قدمه والسير بضع خطوات، كانت الفرحة عامرة في المكان ولم يصدق أحد أنه قام بذلك حتى "علي" نفسه لم يصدق.


وبعد أقل من ثلاث شهور حدث ما لم يكن في الحسبان، توفيت السيدة "نوال" وهي عائدة من عملها إثر حادث سيارة حيث انقلبت سيارتها عندما اصطدمت بشاحنة نقل كبيرة..

لم يصدق "علي" حينها ذلك الكلام وظل قرابة الشهر منتظر عودتها والدموع لا تفارق عينيه، شعر وكأنه روحه فارقت جسده، لم يستطع النوم لبضعه أيام كان يقف أمام النافذة حين أعتاد توديعها قبل الذهاب للعمل وحين تعود يكون في استقبالها.. وقف ووضع يده على الزجاج وقال: أين أنتي؟! كيف تركتني ورحلتي؟!.. لن أقدر على فقدان أمي مرتين.


ولكن بعد فتره من زمن أدرك أنها لن تعود أبدًا وأن الشيء الوحيد القادر على العودة هو الأمل، عاد "علي" لاستكمال جلسات العلاج ولكن بدون تشجيعها، بدون نظرات الفرح التي تدخل على قلبه السرور ولكنه لن يستسلم و سيحقق أخر حلم لها ألا وهو أن تراه يسير على قدمه، بعد خمسة أشهر استطاع "علي" السير بدون عكازات تمامًا وأول ما قام به بعدها أن ذهب إلي قبرها لتراه وهو يسير على قدميه كما كانت تحلم.


بعد أحد عشر عامًا وفي إحدى المنتديات..


يقول "علي": لم أدرك وقتها أن الأمل لا حدود له، وأن الإنسان إذا تمسك بالأمل فلن يقف أمامه شيء، وها أنا الآن أقف أمامكم وكُلي شكر وامتنان لليوم الذي قدمِت فيه إلى الملجأ... يوم ظننت أنني يتيم وسأظل كذلك طوال حياتي ولكن لم أدرك وقتها أني ولدت من جديد.  



إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)